Image

المسافر إذا نوى الصيام هل له الفطر

الحمد لله  والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
 فالمسافر سفر قصر مباح له الفطر لكن لو اختار الصوم وأصبح صائما فهل له الفطر أم لا ؟
في المسألة خلاف  خلاصته أن بعض العلماء قالوا بجواز الفطر في حقه وأنه باق على رخصته  وهذا القول للحنابلة وهو منسوب للشافعية بل قيل هو المذهب .
وذهب الحنفية والمالكية إلى أنه ليس له الفطر بعد اختياره الصوم :
قال ابن عبد البرالمالكي في (التمهيد): اختلف الفقهاء في المسافر يفطر بعد دخوله في الصوم، فقال مالك: عليه القضاء والكفارة؛ لأنه كان مخيرا في الصوم والفطر، فلما اختار الصوم صار من أهله ولم يكن له أن يفطر. وهو قول الليث: عليه الكفارة. ثم قال مالك مرة: لا كفارة عليه. وهو قول المخزومي وأشهب وابن كنانة ومطرف. وقال ابن الماجشون: إن أفطر بجماع كفر لأنه لا يقوى بذلك على سفره ولا عذر له. وقال أبو حنيفة والشافعي وداود والطبري والأوزاعي والثوري: لا كفارة عليه انتهى.
    وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني: من نوى الصوم في سفره فله الفطر. واختلف قول الشافعي فيه فقال مرة: لا يجوز له الفطر. وقال مرة: إن صح حديث الكديد لم أر به بأسا. قال مالك: إن أفطر فعليه القضاء والكفارة. ولنا حديث ابن عباس وهو صحيح متفق عليه، وروى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون فأفطر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن ناسا صاموا فقال: أولئك العصاة. رواه مسلم. وهذا نص صريح لا يعرج على ما خالفه. اهـ.
قال النووي في المجموع  : (لو أصبح في أثناء سفره صائما ثم أراد أن يفطر في نهاره فله ذلك من غير عذر نص عليه الشافعي وقطع به جميع الأصحاب ... وإذا قلنا بالنص وقول الأصحاب إن له الفطر ففي كراهته وجهان (أصحهما) لا يلزمه للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك)
 
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية : (إذا نوى في سفره الصوم ليلا وأصبح صائما من غير أن ينقض عزيمته قبل الفجر، لا يحل فطره في ذلك اليوم عند الحنفية والمالكية، وهو وجه محتمل عند الشافعية، ولو أفطر لا كفارة عليه للشبهة ... والشافعية في المذهب والحنابلة قالوا: لو أصبح صائما في السفر ثم أراد الفطر ، جاز من غير عذر، لأن العذر قائم - وهو السفر - أو لدوام العذر - كما يقول المحلي ). انتهى  
ومما استدل به القائلون بالجواز حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ، قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَصَامَ حَتَّى مَرَّ بِغَدِيرٍ فِي الطَّرِيقِ ، وَذَلِكَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ ، قَالَ : فَعَطِشَ النَّاسُ ، وَجَعَلُوا يَمُدُّونَ أَعْنَاقَهُمْ ، وَتَتُوقُ أَنْفُسُهُمْ إِلَيْهِ ، قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ ، فَأَمْسَكَهُ عَلَى يَدِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاسُ ، ثُمَّ شَرِبَ ، فَشَرِبَ النَّاسُ " . وأصله في الصحيحين.  
 
هذا مجمل الأقوال وبعض الأدلة وقول من مال إلى جواز الفطر يعضده عموم الآية قوله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ {البقرة : 185} ومنطوق الحديث
والخروج من الخلاف مستحب والاحتياط أورع .
والاحتياط في أمور الدين *** من فر من شك إلى يقين
والعلم عند الله.

Image

الزمخشري


Image

عبد الحق ابن غالب الأندلسي


Image

ابو حاتم الرازي


Image

نشأة المذاهب الفقهية وأهم آداب الخلاف


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين

ما أحوجنا إلى معرفة فقه الإختلاف لأن الخلاف أمر فطري لكن دفعه ضرورة شرعية  وكل اثنين عرضة لأن يقع بينهما خلاف :

الأزواج والأصحاب والعلماء والفقهاء وغيرهم قال تعالى (ولوشاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) قيل خلقهم للاختلاف وقيل خلقهم ليرحمهم وقيل خلقهم ليختلفوا ويرحم من وفق في الاختلاف إلى سبيل الهدى .

 وإذا كان الخلاف وقوعه ضروريا فحري بنا أن نعرف فقه الخلاف وآدابه فمن أهم أسباب الانحراف في هذا الباب عند المسلمين ولا سيما فئة الشباب جهلهم بفقه الاختلاف سواء في مجال الخلاف الفقهي الذي هو موضوع هذه المادة أو الخلاف العقدي أوالفكري أوغيره .

حيث يحل العنف في مسائل اجتهادية محل الحوار وتظهر المنابزة في أمور تقتضي الصفح والوئام  وربما أدى الأمر في بعض الحالات إلى تكفير المخالف واستباحة دمه وماله وعرضه وربما يكون ذلك في مسألة غاية ما فيها أن القائل لها إما مجتهد مصيب له أجران أومجتهد مخطئ له أجر .

وبما أن موضوع حلقاتنا في فقه الاختلاف خاص بالجانب الفقهي والمسائل التي اختلف فيها الفقهاء فيجدر بنا أن نبين لما ذا اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى وهل الخلاف رحمة وسعة أم نقمة وضيق وعنت .وما هي القضايا التي يسوغ فيها الاختلاف وما هي القضايا التي يمتنع فيها. وهل هناك فرق بين مصطلح الاختلاف والخلاف أم لا .

وهل المذاهب الفقهية أديان أم هي مدارس فقهية وما هو المذهب وهل المذاهب الفقهية أربعة فقط  أم هي أكثر من ذلك :

أسئلة ضمن أخرى سنعرض لها في هذا المقال  بإذن الله .

وبما أن أصل هذه المادة برنامج إذاعي فإن الفريق المشرف عليه قد أجرى مقابلات مع بعض طلاب الجامعة ونقل أراءهم حول التمذهب ومدى ثقافتهم حول المذاهب الفقهية وقد قال أغلبهم في سبب اتباعهم للمذاهب (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثرهم مهتدون)
وقد تبين لنا أهمية تثقيف الجيل وتوعيتهم حول المذاهب الفقهية وسببِ اختلافها وآداب الخلاف وضوابطه .
 فما هو المذهب إذا وما ذا يميز كل مذهب وما هي أماكن انتشار المذاهب الفقهية وهل هي أربعة فقط أو أكثر من ذلك .


أحبتي الكرام المذهب لغة يطلق ويراد به

 
– إما المكان الذي يذهب إليه والطريقة التي تسلك، تقول ذهبت في غير مذهبي أي في غير اتجاهي وسلكت غير طريقتي ومنه قول علقمة الفحل في معارضته لقصيدة الملك الضليل: (ذهبت من الهجران في غير مذهبي *ولم يك حقا كل هذا التجنب ) واستطرادا ولا بأس بشيء من الاستطراد نقول علقمة الفحل تنازع مع امرئ القيس أيهما أشعر فاختلفا واحتكما إلى أم جندب زوجة امرئ القيس فقالت ليقل كل منكما قصيدة في وصف الخيل على نفس الروي فقال امرؤ القيس:
( خليلي مرا بي على أم جندب *لنقضي لبانات الفؤاد المعذب) إلى قوله:
فللسوط ألهوب وللساق درة * وللزجر منه وقع أهوج متعب)
 وقال علقة التميمي الفحل: 
(ذهبت من الهجران في غير مذهبي* ولم يك حقا كل هذا التجنب
إلى قوله:
 (فأدركهن ثانيا من عنانه *يمر كمر اللائح المتحلب) ففضلت علقمة على زوجها وقالت ضربت فرسك وزجرته وأما هو قد ثنى من عنانه وأدرك طريدته فطلقها لذلك فتزوجها علقة.
الشاهد من القصد تحاكمهما إلى من يفصل بينهما، والتحاكم لفصل الخلاف إذا استحكم يعتبر من جملة من آداب الخلاف.

 
ونعود لما قلناه من إطلاق المذهب لغة على المكان   – كما يطلق أيضا على  السير والمرور،


وأما المذهب في اصطلاح الفقهاء فهو: ما استنبطه المجتهد من الأحكام الشرعية الاجتهادية المستفادة من الأدلة الظنية. إذا هو ليس دين بل هو مدرسة في كفية التعامل مع النصوص.


وليس إطلاق مصطلح المذهب خاصا بالفروع الفقهية: بل قد يطلق المذهب على المعتقد والسلوك وغيرها.


وبالتالي فالمذهب عند الفقهاء هو الاتجاه الفقهي في فهم أحكام الشريعة والطريقة التي ينهجها المجتهد أو عدد من المجتهدين في الاستنباط، وكيفية الاستدلال، والفروع التي تضاف في ضوء أصول المذهب وتخرج على قواعده ..

وأصول المذاهب تتميز عن بعضها بسبب اختلاف أصحابها في مناهج الاجتهاد والاستنباط، وليس ذلك في الأصول الكلية أو الأدلة الإجمالية بل تلك محل اتفاق كالكتاب والسنة والإجماع والقياس ..وإنما اختلفوا في أصول فرعية أكثر منها بعضهم وقلل منها الآخرون.  

إذ المنهج الاجتهادي الخاص، واختيارات كل إمام فيما يأخذ به من الأدلة التبعية، هو الذي يميز بين "أصول المذاهب".

وعليه فقواعد الاستنباط والأصول الفرعية قد تختلف لكن الغاية واحدة.
 فهو إذا اختلاف لا خلاف ذلك لأن الاختلاف كما قال أبو البقاء الكفوي: (هو ما اختلفت فيه الطرق والوسائل واتحدت فيه الغاية وأما الخلاف فهو ما اختلفت فيه الطرق واختلفت الغاية والمقصد).
كما أن الاختلاف هو ما كان عن دليل والخلاف مالم يكن عن دليل ولا مشاحة في الاصطلاح .

قد يقول قائل لما ذا وجدت المذاهب الفقهية والجواب أن هنالك  مجموعة من العوامل والخلفيات ساهمت في ظهور المذاهب الفقهية، فالصحابة والتابعون وأتباعهم كانت قواعد الاستنابط والتعامل مع النصوص متقررة في أذهانهم وسليقة لهم،

ولما حصل التوسع الجغرافي للإسلام و تنوعت البيئات التي انتشر بها ،  مع قابلية الكثير من النصوص الشرعية للاجتهاد فيها حسب الظروف والحالات أدى ذلك إلى نشوء مدارس فقهية في الأمصار الإسلامية ، واحتيج إلى وضع أصول للفتيا وقواعد لتخريج الأحكام وطرق للاستنباط  وأصبح لكل عالم فقيه أتباع يعملون على نشر فتاواه  والعمل ضمن القواعد التي قررها لإصدار فتاوى جديدة .

ونشأت عشرات من المذاهب الفقهية خلال القرن الثاني والثالث الهجري ، لكن لم يبق منها إلا أربعة سنية ، وأخرى غير سنية كالمذهب الجعفري والزيدي والإمامي والإباضي.

لقد مرّت المذاهب الفقهية بعد قيامها وتبلور مناهجها بثلاث مراحل أساسية:

1- مرحلة التأسيس والبناء: وامتدت هذه المرحلة على ما يربو على ثلاثة قرون حتّى سقوط بغداد (سنة 656)هـ. وتميزت هذه المرحلة بتنظيم وترتيب الفقه المذهبي. كما ألفت مدونات جمعت المسائل الخلافية مع المذاهب الأخرى..وألفت كتب الأصول الفقهية والقواعد.

2- مرحلة شيوع ظاهرة التقليد وإغلاق باب الاجتهاد: مع بداية القرن الثامن الهجري، حيث اقتصر النشاط الفقهي على اجترار التراث الفقهي عن طريق شرحه واختصاره أو تنظيمه، من دون إضافة جديدة.في الغالب  مع طغيان المباحث اللفظية والمسائل الافتراضية، فابتعد الفقه عن الحياة.حتى قال القائل هل يصح زواج الحنفي من الشافعية ووجدوا مخرجا لصحة ذلك الزواج بعد لأي أي أن ذلك يصح قياسا على الكتابية.

حتى بالغ بعض علماء ذلك العصر فنقل الإجماعَ على وجوب اتباع المذاهب الأربعة دون غيرها؛ قال النفراوي:  قد انعقد إجماعُ المسلمين اليوم على وجوب متابعة واحد من الأئمة الأربعة؛ أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل - رضى الله عنه - وعدم جواز الخروج عن مذاهبهم, وإنما حرم تقليد غير هؤلاء الأربعة من المجتهدين -مع أن الجميع على هدى- لعدم حفظ مذاهبهم لموت أصحابهم وعدم تدوينها  إ.هـ . وقال في مراقي السعود :

والمجمع اليوم عليه الأربعة   ***   وقَفْوُ غيرها الجميعُ منعه

لكن هولاء الفقهاء إنما بنوا رأيهم في حصر المذاهب في الأربعة المشهورة وعدم جواز الخروج عنها بناء على ما رأوه من تلقي العلماء لهذه المذاهب بالقبول والتدريس والتمحيص والتدقيق حتى استبانت أصولُها، وظهرت معالمها دون غيرها من المذاهب .. وعدم توفر شروط المجتهد المطلق في أهل زمانهم فيما رأو. وكذلك سدا لذريعة التقول على الله بلا علم والتلاعب بالنصوص.

2- مرحلة التجديد: مع بداية القرن التاسع عشر، حيث أخذت الدراسات الفقهية تشق طريقها نحو التجديد والتطوير ومواكبة العصر ومشكلاته المختلفة تحت ضغط التطور الزمني، وتقدم المعارف الإنسانية ، والإحتكاك بالحضارات. فظهرت نخبة من العلماء قادوا حركة التجديد وحذروا من الجمود والركود. ولا سيما مع الحاجة الملحة للاجتهاد في كثير من المسائل والوقائع المستجدة. فلا بد من اجتهاد يوافق العصر وروحه ويواكب التطور والتغير الذي حصل في جميع مناحي الحياة .


ومع ذلك فلا زال العمل بالمذاهب الفقهية الأربعة : السنية باقيا في شتى أصقاع بلاد الإسلام مع التنبيه والتأكيد على أنها ليست أديانا بل هي مدارس للتعامل مع النصوص وأصحابها لم يطلبوا من الناس التزامها وعدم تجاوزها قال أبوحنيفة (هذا أحسن ما وصلنا إليه فمن وجد خيرا منه فليأخذ به) ولما سئل عن اجتهاداته أهي الحق الذي لا شك فيه قال لعلها هي الباطل الذي لا شك فيه ، ورفض الإمام مالك حمل الناس على الأخذ بموطئه لما طلب منه المنصور ذلك. وكلهم أثر عنه أن أقواله يؤخذ منها ويرد. وقد كان اختلافهم في النصوص رحمة مثلما اختلف الصحابة قبلهم في أمور تقتضي الاختلاف . قال عمر بن عبد العزيز: ما يسرني أن لي باختلاف الصحابة حمر النعم فلوكان رأيا واحدا لكان الناس في ضيق .

ولشيوع تلك المذاهب السنية وسعة انتشارها سميت بمذاهب وهي حسب التسلسل التاريخي في الظهور :

- المذهب الحنفي: نسبة إلى الإمام أبي حنيفة النعمان ( 80 - 150 هجرية ) -وإن كان المذهب الحنفي  يشتمل على تحقيق مناهج شيوخ المذهب كأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وزفر بن الهذيل ولم يكن قاصرا على منهج أبي حنيفة بالذات- وقد نشأ المذهب الحنفي في الكوفة ونما في بغداد، واتسع بمؤازرة الدولة العباسية له. ثم انتشر في البلقان والقوقاز ومصر وأفغانستان  وباكستان وبنغلاديش وشمال الهند ومعظم العراق وتركيا وسوريا وبين مسلمي الصين .

وكان مذهب أبي حنيفة  يعتمد“بالإضافة إلى الأصول النقلية المتفق عليها- الكتاب والسنة والإجماع والقياس على الاستحسان والعرف وقول الصحابي وشرع من قبلنا، لكنه توسع في اعتماد الأصول العقلية وتشدد في ضوابط الأخذ بالحديث وقد أجاب فقهاء المذهب الحنفي عن ذلك بأن أبا حنيفة ما كان يرد صحاح الأحاديث ولا حسانها كما يقال بل كان يتشدد في قبول الحديث أو خبر الواحد، عذره في ذلك أنه في الكوفة وكانت مهد الفتن والتحزب السياسي وانشقاق الفرق والبعض يتساهل ويدلس في الرواية وربما افتعلها انتصاراً لأهوائه والكوفة بعيدة عن الحجاز مهبط الوحي ومركز السنة فاحتاط الإمام في قبول الحديث والعمل به احتياطاً لشرع الله..

ومن أهم كتب المذهب الحنفي: كتب" ظاهر الرواية" الستة،التي جمعها محمد بن الحسن الشيباني فى (السير الكبير والسير الصغير والزيادات والجامع الكبير والجامع الصغيروالمبسوط) وقد جمعها الحاكم الشهيد فى كتاب المنتقى الذى شرحة الامام السرخسى فى كتاب المبسوط للسرخسى  ومن كتب المذهب أيضا كتب "النوادر" للإمام محمد بن الحسن،أيضا وفيها مسائل مروية عن الإمام وأصحابه.لكن لا في الكتب الستة

 ومن كتب المذهب المعتبرة أيضا كتاب "بدائع الصنائع" للكاساني، وكتاب حاشية ابن عابدين المسماة "رد المحتار على الدر المختار" وغير ذلك.

- المذهب المالكي: نسبة إلى الإمام مالك بن أنس ( 93 - 179 هجرية ) ويعتمد المذهب ـإضافة إلى الأصول المتفق عليها بين جميع الأئمة من الكتاب والسنة والقياس والإجماع ـ على عمل أهل المدينة والمصالح المرسلة .وسد الذرائع وشرع من قبلنا وغيرها وقد أكثر في الأخذ بعمل أهل المدينة كثيرا حتى أخذ عليه في ذلك. قال "القرافي أصول المذهب هي القرآن والسنة والإجماع وإجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والعرف والعادات وسد الذرائع والاستصحاب والاستحسان".

 ومن أبرز المؤلفات في مذهب الإمام مالك :"الموطأ" للإمام مالك، و المدونة  لسحنون،  وفيها أورد أقوال الإمام  مالك  رحمه الله بواسطة  عبد الرحمن بن القاسم. مع بعض أراء ابن القاسم واجتهاداته.  

وأهم كتب المالكية التي يرجع إليها المتأخرون لنقل المذهب وتقرير أقواله : مختصر خليل.. وعليه شروح عديدة منها: الشرح الكبير  لأبي البركات الدردير  وعليه حاشية  لابن عرفة الدسوقي.  ومن شروحه: التاج والإكليل  لمحمد بن يوسف العبدري المواق. 

ومنها: حاشية مواهب الجليل في شرح مختصر خليل  للحطاب. 

وانتشر المذهب المالكي أكثر ما انتشر في شمال إفريقية ومصر والسودان  وكان هو المذهب السائد بالأندلس قبل سقوطها ، كما انتشرالمذهب المالكي في بدايات ظهوره في الحجاز والعراق أيضا وبلاد خراسان.. وهو اليوم المذهب السائد بدول المغرب العربي الخمس وكذلك في الإمارات والكويت والسودان. ويوجد في بعض الدول في مناطق أو لدى قبائل بعينها. 


3- المذهب الشافعي: وصاحبه محمد بن إدريس الشافعي ( 150 - 204 هجرية)، عاش في مكة وتتلمذ على مالك بن أنس وكان يفتي على أصوله فترة ثم رحل إلى العراق حيث تعلم في بغداد فقه "أبي حنيفة" على يد محمد بن الحسن الشيباني ولقي أحمد بن حنبل وأثنى عليه وقال فيه

قالوا يزورك أحمد وتزوره * قلت الفضائل لا تفارق منزله 

إن زارني فلفضله أوزرته فلفضله **  فالفضل في الحالين له

ثم رحل الشافعي إلى مصر واستقر بها . ومن ثم جاء مذهبه وسطاً بين مذهب " أبي حنيفة" المتوسع في الرأي، ومذهب "مالك بن أنس " المعتمد على الحديث. ويعتمد المذهب الشافعي في استنباطاته وطرائق استدلاله على الأصول التي وضعها الإمام الشافعي ودونها في كتابه الشهير "بالرسالة"، بحيث يعد أول من دون كتاباً متكاملاً في علم أصول الفقه. من أبرز علماء الشافعية في حياة الشافعي هم تلامذته: الربيع بن سليمان الجيزي والربيع بن سليمان المرادي، والبوطي..وغيرهم

ومن أشهر كتب مذهبه إضافة إلى كتب الشافعي نفسه الأم كتاب "فتح العزيز في شرح الوجيز" للرافعي، و"روضة الطالبين" و"المجموع" للنووي، و"المهذب" و"التنبيه" للشيرازي، و"تحفة المحتاج" لابن حجر الهيتمي.

ويعتبر المذهب الشافعي من أكثر المذاهب الفقهية السنّية انتشاراً، حيث يوجد بشكل كبير في فلسطين وأجزاء من مصر وسوريا والأردن وإندونيسيا وماليزيا وجنوب الهند وأجزاء من اليمن وفي وسط العراق وإقليم كردستان، وغيرها.

4- المذهب الحنبلي: وصاحبه الإمام أحمد بن حنبل ( 164 - 241 هجرية )، وهو آخر المذاهب الأربعة من الناحية الزمنية. ولد الامام أحمد ببغداد ونشأ بها وتفقه على يد الشافعي حين قدم إلى بغداد وصار مجتهدا مستقلا واهتم بجمع السنة وحفظها حتى صار إمام المحدثين في عصره، ولذلك يعده البعض (مثل الطبري) محدثا فقط، لا فقيها،ولذا لا يذكر بعض أصحاب كتب الخلاف مذهبه مع الفقهاء بل يضمونه للمحدثين 

 وعرف عن الإمام  أنه يقدم الحديث على ما سواه وإذا وجد فتوى لصحابي يقدمها على أي رأي أو قياس. ولم يؤلف الإمام أحمد كتابا في الفقه وإنما أخذ أصحابه مذهبه من أقواله وأفعاله وأجوبته لكنه صنف في الحديث كتابه الكبير (المسند).. وأهم تلاميذه صالح ابن الإمام أحمد، وابنه الآخر عبد الله وأبو بكر الأثرم والمروذي وأحمد بن محمد بن الحجاج وإبراهيم الحربي. وأهم كتب مذهبه "مختصر الخرقي"، الذي شرحه ابن قدامه في كتابه "المغني" وكتاب الإقناع والروض المربع  للحجاوي ، و"الفروع" لابن مفلح، و منتهى الإرادات للشيخ محمد بن أحمد الفتوحي، المعروف بابن النجار 972هـ,,,وكتابه هذا هو عمدة متأخرى الحنابلة وعليه القضاء والإفتاء.وشرحه دقائق أولي النهى في شرح المنتهى للشيخ منصور بن يونس البهوتي. و غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى جمع فيه مؤلفه الشيخ مرعي الكرمي المتوفى سنة 1033هـ بين الإقناع والمنتهى.وغيرها من كتب المذهب.

وانتشر في عدد كبير من البلاد من أهمها  الجزيرة العربية وفي مصر بلاد الشام، وغيرها. وهو المذهب الرسمي في السعودية وقطر. وله اتباع في بعض الدول الأخرى كباقي المذاهب. 


مما سلف نستخلص أن اختلاف المذاهب الفقهية في كثير من الأحكام والفروع له أسباب علمية وموضوعية اقتضته.

وتعد هذه الثروة الفقهية التشريعية نعمة ربانية تجعل الأمة الإسلامية في سعة من أمر دينها وشريعتها، فلا تنحصر في تطبيق شرعي واحد، بل يجوز الخروج عن مذهب أحد الأئمة الفقهاء إلى غيره من المذاهب إذا وجدت في المذهب الآخر سعة ومرونة.دون تتبع للرخص

وهذه مسألة لابد من الوقوف عندها وهي إذا كان لا يجب على المرء تقليد مفت بعينه ولا التزام مذهب بذاته فهل له الأخذ بأيسر الأقوال، وأسهل الآراء تتبعا للرخص؟.

والجواب أنه لا خلاف بين العلماء في أنه لا يجوز للعامي تتبع رخص العلماء، واستفتاؤهم للأخذ بأيسر الأقوال، وأقربها إلى هواه، بل هذه الفعلة زندقة من فاعلها، ورقة في دينه ، جاء في مختصر التحرير: (قال ابن عبد البر: لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعا.ومما يحكى: أن بعض الناس تتبع رخص المذاهب من أقوال العلماء. وجمعها في كتاب، وذهب به إلى بعض الخلفاء، فعرضه على بعض العلماء الأعيان، فلما رآها قال " يا أمير المؤمنين، هذه زندقة في الدين، ولا يقول بمجموع ذلك أحد من المسلمين)وروى عبد الله بن أحمد عن أبيه أحمد بن حنبل قال سمعت يحيى القطان يقول: "لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل المدينة في السماع "يعنى في الغناء"، وبقول أهل الكوفة في النبيذ، وبقول أهل مكة في المتعة لكان فاسقا

وقال سليمان التيمى: "لو أخذت برخصة كل عالم، أو قال بزلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله . وفي المعنى آثار عن على وابن مسعود ومعاذ وسلمان وفيه مرفوعا عن النبي وعن عمر"

إنما يستفتي العامي ويتبع من يثق في علمه وورعه وما يطمئن إلى أنه هو الحق وكل شخص لديه نسبة اجتهاد


وعلى كل  فالمذاهب الأربعة السنية ما هي إلا مدارس فقهية للتعامل مع النصوص ، اتفقت في الأصول الكلية، و اختلفت في بعض الفروع. التطبيقية ، كما أن هناك مذاهب فقهية أخرى غير هذه الأربعة لكنها لم تنتشر ولم يحصل لها الاشتهار مثل تلك المذاهب الأربعة. و منها على سبيل المثال:


وهنالك مذاهب غير سنية بقي لها انتشار :كمذهب الزيدية نسبة إلى زيد بن علي  زين العابدين في اليمن 

ومذهب الجعفرية نسبة إلى جعفر الصادق ابن محمد الباقر في إيران وغيرها

والإباضية  نسبة إلى عبد الله بن إباض وتنتشر الإباضية في سلطنة عُمان وفي مناطق أخرى. 

 
المحور الثاني حول آداب الاختلاف وأسبابه والقواعد الضابطة له

هنالك قواعد لا بد من مراعاتها

القاعدة الأولى الاختلاف منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم

فأما الاختلاف المذموم فيكون في حالات:

الحال الأولى: الاختلاف في مسائل العقيدة المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة:

فهذا اختلاف مذموم لأن العقيدة ثابتة بنصوص قطعية في الكتاب والسنة وقد أجمع عليها الصحابة فلا يصح أن يكون فيها اختلاف بين المسلمين.

الحال الثانية: الاختلاف في الأدلة القطعية:

والمقصود بها المسائل التي تكون قطعية الثبوت وقطعية الدلالة، مثل وجوب الصلاة والصيام والزكاة، وتحريم الخمر، ونحو ذلك.

فالاختلاف في هذه المسائل غير سائغ لأنه لو قبل الخلاف فيها لما بقي شيء من مسائل الدين إلا وأصبح قابلًا للأخذ والرد.

الحال الثالثة: الاختلاف الناشئ عن تعصبٍ أو هوى لا عن حجةٍ وبرهان:

الحال الرابعة: مخالفة ما أجمعت عليه الأمة:

ففي هذه الحالات الأربع يكون الاختلاف مذمومًا، وهو ما يطلق عليه الشارع الافتراق، أوالخلاف .

النوع الثاني من الاختلاف: هو الاختلاف المحمود

وهو الاختلاف في المسائل الظنية، مثل الاختلاف في وقوع طلاق الثلاث واحدة، والقنوت في صلاة الفجر، ورفع اليدين في الصلاة، وتغطية وجه المرأة ونحوها من المسائل التي ليس فيها نص صريح صحيح أو إجماع.

فمثل هذه المسائل يسوغ فيها الخلاف إذا لم يكن عن تعصب وهوى وإنما عن اجتهاد وتحرٍ لقوله عليه الصلاة والسلام:«إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد» وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم على اختلافهم في الاجتهاد في صلاة العصر في غزوة بني قريظة. كما ذكر الشيخ في مداخلته آنفا

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الجميل رفع الملام عن الأئمة الأعلام ( اتفق الصحابة في مسائل تنازعوا فيها ; على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم كمسائل في العبادات والمناكح والمواريث والعطاء والسياسة وغير ذلك وحكم عمر أول عام في الفريضة الحمارية بعدم التشريك وفي العام الثاني بالتشريك في واقعة مثل الأولى ولما سئل عن ذلك قال: تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي. وهم الأئمة الذين ثبت بالنصوص أنهم لا يجتمعون على باطل ولا ضلالة ودل الكتاب والسنة على وجوب متابعتهم. وتنازعوا في مسائل علمية اعتقادية كسماع الميت صوت الحي وتعذيب الميت ببكاء أهله ورؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه قبل الموت مع بقاء الجماعة والألفة. . . ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ".

القاعدة الثانية :الافتراق سنة كونية ودفعه فريضة شرعية فمما كتبه الله - تعالى - على الأمة الإسلامية أنها ستفترق وتختلف كما اختلفت الأمم من قبلها، وهذا الافتراق هو حكم كوني يقول تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} ، {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود: 118- 119)

يقول ابن سعدي:" يُخبر الله - تعالى - أنه لو شاء لجعل الناس أُمة واحدة على الدين الإسلامي فإن مشيئته غير قاصرة ولا يمتنع عليه شيء ولكن اقتضت حكمته ألا يزالوا مختلفين مخالفين للصراط المستقيم متّبعين للسبل الموصلة إلى النار كلٌّ يرى الحق فيما قاله والضلالة في قول غيره، وقوله سبحانه: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} ، فهداهم إلى العلم بالحق والعمل به والاتفاق عليه، فهؤلاء سبقت لهم سابقة السعادة وتداركتهم العناية الربانية والتوفيق الإلهي، وأما من عداهم فهم مخذولون موْكولون إلى أنفسهم، وقوله سبحانه: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} ، قال: أي اقتضت حكمته أنه خلقهم ليكون منهم السعداء والأشقياء والمتفقون والمختلفون والفريق الذي هدى الله والفريق الذي حقت عليهم الضلالة ليتبين للعباد عدله وحكمته وليظهر ما كمن من الطباع البشرية من الخير والشر ولتقوم سوق الجهاد والعبادات التي لا تتم ولا تستقيم إلا بالامتحان والابتلاء "

القاعدة الثالثة الحق يقبل من أي جهة جاء قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولكنّ الحق يقبل من كل من تكلم به "فلا أثر للمتكلم به في قبوله أو رفضه؛ ولهذا كان أهل السنة يقبلون ما عند جميع الطوائف من الحق، ويردون ما عندها من الباطل، بغض النظر عن الموالي منها أو المعادي.

ولما دلّ الشيطان أبا هريرة - رضي الله عنه - على آية الكرسي لتكون له حرزًا من الشيطان، مقابل فكه من الأسر، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إنه قد صدقك وهو كذوب» .

ولا شك أن رسوخ مثل هذه المعاني في أذهان المسلمين من أكبر الدوافع إلى الإذعان للحق والرضوخ له مهما كان قائله، ويجعل المسلم مستسلمًا للحق دومًا، قابلًا له، وهذا من شأنه أن يقضي على التعصب المقيت الذي يحمل صاحبه إلى المنابذة والإصرار على الباطل، لا لشيءٍ إلا لأن القائل بالحق ليس من جماعته أو حزبه أو بلده.

القاعدة الرابعة وجوب عرض أقوال الناس على الشرع ولهذا كان الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم ينهون أتباعهم عن تقليدهم في كل شيء، يقول أبو حنيفة: إذا خالف الحديث قولي فاضرب بقولي عرض الحائط، ويقول مالك: كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر، يقصد النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ويقول أحمد: لا تقلدني ولا تقلد أبا حنيفة ولا مالكًا ولا الشافعي وخذ من حيث أخذوا.

وهذه القاعدة ذات أثر كبير في حماية المجتمع من الغلو في المتبوعين، ورفعهم فوق منزلتهم التي جعلهم الله عليها، فإن العصمة ليست لأحد من البشر إلا لأنبياء الله ورسله، وبعضهم قد يجعل لمتبوعه قداسة من حيث لا يشعر، فيذعن لقوله، ويسلم لأمره، حتى وإن تبين له أنه على خلاف الحق، وبهذا تظهر الآراء الشاذة والأفكار المنحرفة التي قد تجر ويلات على الأمة الإسلامية برمتها، وما ذاك إلا بسبب التقليد الأعمى، والغلو المذموم في القادة والمتبوعين »

القاعدة الخامسة الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف رجاله هذا الكلام مما ينقل عن علي رضي الله عنه، والحق ما وافق الدليل من غير التفات إلى كثرة المقبلين، أو قلتهم، فالحق لا يوزن بالرجال، وإنما يوزن الرجال بالحق قال بعض السلف: عليك بالحق ولا تستوحش من قلة السالكين، وإياك والباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين.

قال ابن تيمية رحمه الله: "ويسوغ أيضا أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب , واجتماع الكلمة خوفا من التنفير , عما يصلح كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم ; لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية , وخشي تنفيرهم بذلك. ورأى أن مصلحة الاجتماع والائتلاف مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم. ولهذا نص الأئمة كأحمد وغيره على ذلك في البسملة , وفي وصل الوتر , وغير ذلك مما فيه العدول عن الأفضل إلى الجائز المفضول , مراعاة ائتلاف المأمومين , أو لتعريفهم السنة , وأمثال ذلك ".

القاعدة السادسة اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية المفترض في كل متناظرين أنهما طالبا حق، لكن قد يخفى الحق عليهما أو على أحدهما، والخفاء قد يكون سببه خفاء الدليل أو الدلالة، فيختلفان فتقع بينهما المناظرة، وقد تنكشف المناظرة ولا يتفقان على قول واحد، لكنهما مستصحبان للنية الأولى وهي طلب الحق. فهذا الاختلاف لا يقطع حبل المودة بينهما، ولا يعكر على القلوب صفاءها، فضلًا عن التنابذ والتدابر ونحو ذلك. وقد نبهنا فضيلة الشيخ محمد الأمين مزيد في مداخلته على قاعدة جميلة وهي (أننا نعمل فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه )

ولقد ضرب لنا سلفنا أمثلة شامخة في هذا الباب، من ذلك:

1-ما قاله يونس الصدفي ما رأيت أعقل من الشافعي؛ ناظرته يومًا في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي، ثم قال: (يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا، وإن لم نتفق في مسألة) ؟!

2-ما رواه ابن عبد البر عن العباس بن عبد العظيم العنبري قال: كنت عند أحمد بن حنبل وجاءه علي بن المديني راكبًا على دابة، قال: فتناظرا في الشهادة، وارتفعت أصواتهما حتى خفت أن يقع بينهما جفاء، وكان أحمد يرى الشهادة، وعلي يأبى ويدفع، فلما أراد علي الانصراف، قام أحمد فأخذ بركابه.

3-وقال الإمام أحمد بن حنبل عن إسحاق بن راهويه: (لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضًا)

القاعدة السابعة الاختلاف قد يكون اختلاف تنوع أو اختلاف تضاد ففي كثير من الأحيان ينصب الخلاف بين العالمين أو الفرقتين أو المذهبين، وعند التأمل نجد أن الاختلاف بينهم إنما هو اختلاف صوري، لا حقيقة له، وإنما اختلفت عبارة كل منهما عن الآخر، فظُن هذا الاختلاف نزاعًا. وقد نبه الشيخ إلى هذا في مداخلته أيضا وهو تحديد مناط الاختلاف وجوهره .

ومن العجب ما نشاهده في بعض البلدان الإسلامية من وقوع المنازعات وفي بعض الأحيان يتطور الأمر إلى المصادمات والمشادات الكلامية والتراشق بالاتهامات والتبديع والتكفير بسبب مسائل فرعية لا ينبغي أن تكون مثارًا للنزاع، ومنبعًا للفتنة، كرفع اليدين في الصلاة، والجهر بالتأمين، والقنوت في صلاة الفجر، ونحو ذلك من المسائل، وسبب ذلك والله أعلم هو الجهل بفقه الخلاف، وما ينبغي على المسلم عمله تجاه من يخالفه في الرأي،

إن الجهل بفقه الخلاف هو الحوض الذي تنمو فيه بذرة التعصب، والشقاق، ولن يقضى على التعصب ما لم يفقه الناس آداب الاختلاف وضوابطه. 

 نلاحظ تعدد الأقوال في المسألة الواحدة في حياته صلى الله عليه وسلم، كما كان يُقر حُكمين مختلفين ليبين إباحة الأمرين ، وأذكرُ من ذلك الأمثلة التالية:


أ – عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (نَادَىَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ انْصَرَفَ عَنِ الأَحْزَابِ "لاَ يُصَلّيَنّ أَحَدٌ الظُّهْرَ إلاّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ" فَتَخَوّفَ نَاسٌ فَوْتَ الْوَقْتِ، فَصَلّوْا دُونَ بَنِي قُرَيْظَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لاَ نُصَلّي إلاّ حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَإنْ فَاتَنَا الْوَقْتُ. قَالَ: فَمَا عَنّفَ وَاحِداً مِنَ الْفَرِيقَيْنِ) أخرجه مسلم .

ب: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (خَرَجَ رَجُلاَنِ في سَفَرٍ، فَحَضَرَتِ الصّلاَةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ فَتَيَمّمَا صَعِيداً طِيّباً فَصَلّيَا ثُمّ وَجَدَا الْمَاءَ في الْوَقْتِ فأعَادَ أحَدُهُمَا الصّلاَةَ وَالْوُضُوءَ وَلَمْ يُعِدِ الاَخَرُ، ثُمّ أتَيَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فقال لِلّذِي لَمْ يَعُدْ: أصَبْتَ السّنّةَ وَأجْزَأتْكَ صَلاَتُكَ، وقال لِلّذِي تَوَضّأَ وَأعَادَ: لَكَ الأجْرُ مَرّتَيْنِ) أخرجه أبو داود والحاكم .

ج- أُتي بصحابيين إلى مسيلمة الكذاب، فأمسكهما وهددهما بالقتل، وقال لأحدهما: ما تقول في محمد؟ قال: رسولُ الله، قال: ما تقول فيَّ؟ قال: أنت أيضاً فخلاه، ثم قال للآخر: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله، قال: ما تقول فيَّ؟ قال: إنما أنا أصم، فأعاد عليه ثلاثاً، فأعاد جوابه فقتله. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أما الأول فقد أخذ برخصة الله، وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئاً له) .

هذا التعدد في الأحكام لحادثة واحدة، وإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لاختلاف الصحابة في مسألة واحدة، يدل على سعة هذه الشريعة ومرونتها، والتيسير فيها، ورفع الحرج عن المكلفين في تطبيقها.  

 أهم أسباب الاختلاف باختصار:

1- الاختلاف في الاستعدادات الفطرية والمكتسبة لدى الناس جميعاً ومنهم العلماء، فالناس طبائعهم متباينة، وقدراتهم مختلفة، وفي ذلك يقول الشيخ علي الخفيف رحمه الله تعالى: "إنّ عادات الناس مختلفة، وآرائهم متعارضة، وأعرافهم متعددة، وأعمالهم متنوعة، وأنظارهم متفاوتة: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) [الروم: 30] .

وإذا اختلفت المقدمات اختلفت النتائج، فما دام الناس يختلفون في الألوان، والألسنة، والطبائع، وطرق معايشهم، وفي الثقافة التي ينهلون منها... فإنهم لا شك يختلفون في فهمهم واجتهاداتهم ، لاختلاف المدارك والعقول" .

فالاختلاف بين الناس واضح في الملكات والقدرات والتفكير والفهم.

2- اختلاف البيئات والعصور دفع الأئمة إلى اختلاف في الأحكام الفرعية، فكان الإمام الواحد يغير من اجتهاده في المسألة الواحدة إذا تغيرت هذه الظروف، كما حصل للإمام الشافعي رضي الله عنه، وكما حصل مع الصاحبين بعد وفاة الإمام أبي حنيفة، وكما نرى من الاختلاف في الأمور الاجتهادية الفرعية بين المتقدمين والمتأخرين في المذهب الواحد، ولذلك وضعوا القاعدة الفقهية: (لا ينكر تغير الأحكام لتغير الأزمان) لتأكيد صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان، وأنها خالدة وحجة

3- الاختلاف في فهم النصوص عندما تكون دلالتها غير قطعية، ويكون المعنى محتملاً أو خافياً مما يؤدي إلى الاختلاف في الأحكام بين الفقهاء.

4- الاختلاف في اللغة التي نزل بها القرآن الكريم حيث كانت لغة واسعة، فيها المشترك والمترادف والحقيقة والمجاز، والعام والخاص، أدى إلى الاختلاف في فهم النص ودلالته، وإلى الاختلاف في استنباط الأحكام مثل لفظ القرء والعين وحروف الجر والعطف،

 5- الاختلاف في حجية بعض مصادر التشريع، فقد اتفق الأئمة على حجية القرآن والسنة والإجماع والقياس، لكن اختلفوا في حجية باقي المصادر كما سنرى في الكلام على الاستحسان والمصالح المرسلة، وغيرها، من المصادر المختلف فيها، فهناك من ينظر إلى فعل الصحابي مثلاً أو فتواه نظرته إلى النصوص الشرعية فيعتبرها حجة، وهناك من يخالفه في ذلك، وهناك من يعتبر عمل أهل المدينة حجة... وهكذا.

6- الاختلاف في ثبوت النص الشرعي أو عدم ثبوته،

7-   الاختلاف في طرق الجمع والترجيح بين النصوص المتعارضة في ظاهرها: فعلى فرض الاتفاق بين العلماء على ثبوت النص وفهمه قد يعترض أمر آخر، وهو عدم سلامة هذا النص من معارض راجح من النصوص الأخرى، وهنا يحصل الاختلاف في طرق الجمع بين النصوص أو ترجيح بعضها على بعض، وباب الجمع والترجيح باب دقيق يتجلى فيه تفاوت الأفهام وعمق الأنظار.

ومن أمثلة اختلاف العلماء في طرق الجمع : اختلافهم في قراءة المأموم الفاتحة خلف الإمام .

وإذا رأينا تعصباً مذهبياً مقيتاً أو انقساماً مفرقاً في بعض الأحيان، فإن سببه الجهل بالشريعة أولاً، وبسيرة الأئمة وأقوالهم ثانياً، وإلى الأيدي العاتية الأثيمة والدخيلة التي تريد تمزيق الأمة ثالثا ً.

وفي الجهة المقابلة للتعصب المذهبي المبني على الجهل وضيق النظر، نجد بعض قاصري النظر أيضاً يقفون من الاختلافات الفقهية موقف المستنكر أو المتشكك المرتاب .

ولعلّ السبب في هذا الموقف المتطرف اعتقاد هؤلاء أن سبب اختلاف الفقهاء ينحصر فقط  في ثبوت النص أو عدم ثبوته، فإذا توافرت النصوص لدى الجميع بعد تدوين السنة في الصحاح مثلاً، وتميَّز صحيحها من ضعيفها كان لازماً زوال هذا الاختلاف، وزوال آثاره بين العلماء، فتعود المذاهب مذهباً واحداً لا خلاف فيه .

وكثيراً ما أدت هذه النظرة السطحية الخاطئة لمسألة اختلاف العلماء في الفروع إلى التهجم على المذاهب ومحاربتها، كما جعلت أناساً آخرين يعلنون الدعوة لتوحيد المذاهب ، ظانين أن الوقت قد حان بعد تدوين السنة وانتشار كتبها ، ليجمعوا الناس على مذهب واحد يُدعى مذهب الكتاب والسنة ، ويَدَّعون أنه لا داعي للمذاهب الفقهية ما دام الدين واحداً والقرآن واحداً والسنة واحدة .

ولو عرف هؤلاء ما بيَّنَه العلماء والأئمة من أسباب الاختلاف، مما أشرت إلى بعضه، لعلموا أن ما ظنوه السبب الوحيد للاختلاف، وهو عدم وصول النص إلى المختلفين ما هو إلا سبب واحد من الأسباب الكثيرة التي أدت إلى تنوع الآراء واختلافها .                 

 *** ملاحظة  أصل هذه المادة حلقة إذاعية قدمها الدكتور/ أباي محمد محمود في إذاعة مؤسسة قطر. والفوائد فيها أخذت من هنا وهناك من مصادر شتى ومدارك مختلفة .



Image

تصفيد الشياطين في شهر رمضان وليلة السابع والعشرين



السؤال حول تصفيد الشياطين في شهر رمضان ،،،،روي البخاري ومسلم عن الرسول صلي الله عليه وسلم أنه قال إذا جاء رمضان فتحت ابواب الجنة واغلقت ابواب النار،،،وسلسلت الشياطين،،،،،الرجاء من فضيلة الشيخ توضيح كيفية تصفيد الشياطين هل هو عام ام انه خاص بنوع منهم ولاباس ان تحدثنا عن الخوف لدى البعض من ليلة السابع والعشرين معتقدا ان الشياطن تطلق فيها ويمارس الناس طقوصا كحرق العلك وغيره (لمباركه)

الحمد لله والصلاة والسلام رسول الله أما بعد فإن  تصفيد الشياطين المذكور هنا بإطلاق فقد جاء مقيدا في أحاديث أخرى بالمردة خاصة وهم عتاة الجن 
ومعنى التصفيد :إما على حقيقته لكف أذاهم ، والمصفد بعضهم وهم : العتاة . قاله القرطبي أو التصفيد على المجاز لانكفاف الناس عنهم وإقبالهم على الخير وقلة سلطانهم على المؤمنين فيكونون كالمصفدين ويكون هذا عن أشياء دون أشياء وعن أناس دون أناس كما قال عياض رحمه الله. 
وعلى كل فوقوع الشر من بعض الناس لايلزم منه عدم تصفيد الشياطين لأن للشر اسبابا ومصادر غير الشياطين كالنفس الأمارة بالسوء وشياطين الإنس وغير المردة من الجن  والهوى .
: وأما خرافات ليلة السابع والعاشرين التي تقع في بعض البلاد الاسلامية فهي مما يضحك ربات الحداد البواكي لأنها ليلة مباركة بل هي ارجى ليلة في العشر الأواخر أن تكون ليلة القدر فرأي أبي بن كعب وابن عباس وكثير من الصحابة أن ليلة القدر ليلة السابع والعشرين من رمضان وكان أبي يحلف على ذلك ولا يستثني لعلامات رآها .
وليلة القدر سلام حتى مطلع الفجر فكيف تطلق فيها الشياطين بل هي مصفدة وفق ما بيناه في جميع رمضان أوله وآخره ، وحتى على فرض إطلاقها فإنه يستعاذ منها ويتحصن بالأذكار الواردة  لا بأشياء غريبة من دخان وأوراق أشجار والمنع من جهات في البيت ونحو ذلك إن لدينا عادات وتقاليد من أمر الجاهلية لا من أمر الإسلام ومن وحي الشيطان لا من الرحمن ولابد من التوعية والتواصي بالحق.... والعلم عند الله
د.أباي محمد محمود

Image

ابن العربي


small rss seocips طبقات المفسرين MP3
ابن العربي



Image

حكم تشقير الحواجب


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فضيلة الشيخ

ماحكم صبغ بعض شعر الحواجب بلون مشابه للون البشرة حتى تصبح الحواجب وكأنها منمصة لكن بدون حلق أونتف بعض شعرها؟

أفيدونا جزاكم الله خيرا.

خلاصة الفتوى : أن  تشقير الحاجبين جائز لأنه لم يرد ما يحرمه فيبقى على الأصل، إذ ليس هو من النمص المحرم، وليس فيه تغيير لخلق الله تعالى، لكن يحرم فعله للتدليس على الخاطب. وتركه ورعا أولى.

 

الحمد لله وبعد فتوطئة للجواب عن السؤال نقول :

1-  إن صبغ الحاجبين أو بعضهما ليس من النمص باتفاق . فالنمص هو نتف الشعر من الوجه، ومنه قيل للمنقاش المنماص. والنامصة هي التي تنتف الشعر بالمنماص، والمتنمصة هي التي يفعل ذلك بها؛ كما في معالم السنن للخطابي

وقيل : إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين؛ لترقيقهما ، أو تسويتهما، قَالَ أبو داود رحمه الله تعالى فِي "سننه": النامصة التي تنقش الحاجب حَتَّى تُرِقّه.

وقيل النمص ما كان بنتف ونحوه أما الأخذ دون نتف فليس بنمص. ولهذا قصر الحنابلة التحريم على النتف وأجازوا الحلق. وخالفهم الشافعية والمالكية فمنعوا مطلق الأخذ.

ومما يرجح اختصاص النمص المحرم بالحاجبين ما جاء عن عائشة رضي الله عنها من الترخيص للمرأة أن تحف جبينها لزوجها. أخرجه الطبري ، كما قال الحافظ في الفتح.

ورواه عبد الرزاق في مصنفه، وفيه أن المرأة قالت: يا أم المؤمنين، إن في وجهي شعرات أفأنتفهن أتقرب بذلك لزوجي؟ فقالت: أميطي عنك الأذى وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزيارة.

وهذا يدل على أنه يجوز للمرأة حلق شعر الوجه ونتفه، عدا الحاجبين.

 

2-   ما علة المنع من النمص بعض العلماء  رأى أنها التدليس والغش ، ومنهم  رأى أنها تغيير خلق الله ابتغاء الحسن، ومنهم من رأى أنه لعلة مشابهة الفاجرات وأنه شعار لهن فإن تغير الحال ولم كن شعارا لهن فلا منع ، ومنهم من رأى أن علة المنع التعذيب والضرر الحاصل فيه بالنتف فإن خلى منه وكان قصا أو غيره لم يمنع ، وهكذا.

3-   مسألة التعليل لحرمة النمص ونحوه بتغيير خلق الله فضفاضة ولذا قال القرافي: (ما في الحديث من تغيير خلق الله لم أفهم معناه؛ فإن التغيير للجمال غير منكر في الشرع كالختان وقص الظفر والشعر وصبغ الحناء وصبغ الشعر وغير ذلك. ونقله العدوي في حاشيته ولم يتعقبه.)

4-  صبغ شعر الرأس أو الوجه ليس من تغيير خلق الله المذموم على فرض كونه هو علة منع النمص والتفلج  والوشم  والوشر وغير ذلك لما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :غيروا هذا بشيءٍ واجتنبوا السواد.

وفي حديث أبي رمثة قال: أتيت أنا وأبي النبي -صلى الله عليه وسلم-:«وكان قد لطَّخ لحيته بالحناء»

وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغون بالكتم ونحوه وجاء في الذّخيرة للقرافي المالكي: "اتّفقوا على جواز تغيير الشّيب بالصّفرة والحنّاء والكتم، وإنّما اختلفوا في الأفضل هل التّرك أو الفعل؟ والقولان لمالكٍ". وقال ابن عبد البر: "ولم يختلف العلماء في جواز الصبغ بالحناء والكتم وما أشبههما"

وبعض العلماء ذكر ان صبغ الشعر إن كان أسودا بلون آخر ابتغاء الحسن ومشابهة الغير من تغيير خلق الله لكن في هذا نظر. قال عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم (قال بعض علمائنا: وهذا المنهى عنه المتوعد على فعله فيما يكون باقياً، فإنه من تغيير خلق الله، فأما ما لا يكون باقياً كالكحل فلا بأس به للنساء والتزين به عند أهل العلم، وقد أجازه مالك للنساء، وكرهه للرجال، وكذلك أجاز أن توشى المرأة يديها بالحناء، وروى عن عمر إنكار ذلك وقال: إما أن تخضب يديها  كله أو تدع ، وأنكر مالك هذا عن عمر))

فمن مظاهر التزين والتجمل عند كلٍّ من الرجل والمرأة، تزيين الشَّعر وصبغه بالألوان، التي تزيد في جمال الشَّعر وجمال صاحبه، فقد جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من كان له شَعرٌ فليُكرمه وقال: «إن الله جميلٌ يحب الجمال». ومن الجمال صبغ الشعر.

ومن أسباب صبغ الشَّعر، وجود الرَّغبة في تغيير لون الشَّعر الطبيعي، وذلك من لونه المعتاد إلى لونٍ آخر، لسببٍ من الأسباب التي يراها صاحبها، ومن هذه الأسباب ما ذكره النووي في المجموع، أن البعض يرى أن كمال جماله يتحقق بتغيير الشَّعر الأسود إلى الأشقر، والبعض قد يرغب في بياض الشَّعر، لأجل الرئاسة والتعظيم والمهابة

 

وعلى كل فخلاصة القول في  صبغ الحواجب أو بعضها بلون أشقر لإخفاء بعض الشعر أنه ليس نمصا وهل يمنع إن كان لمجرد ابتغاء الحسن  لعلة تغيير خلق الله ومشابهة النمص ؟ أم أن ما كان من الصبغ ونحوه غير باق ليس من التغيير المحرم وفق ما ذكره بعض العلماء.

 في المسألة ، خلاف بين المعاصرين بعضهم حرم كما في فتوى اللجنة الدائمة وبعضهم أباح كما في فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله والقول بالجواز هو المفتى به في موقع الشبكة الإسلامية مع التنبيه على أن الأورع  والأحوط تركه مالم تطل الحواجب طولا فاحشا معيبا وهكذا :

والاحتياط في أمور الدين ** من فر من شك إلى يقين

والعلم عند الله