Image

من له دين وجبت عليه فيه الزكاة وليس لديه سيولة نقدية هل يستدين ليدفعها أم ما ذا يفعل؟








شخص عنده دين تجب عليه فيه الزكاة  لكن ليس عنده نقد يخرج منه الزكاة  هل يلزمه ان يستدين ليؤدي الزكاة في وقتها أم ينتظر حتى يجد نقدا يدفعها منه  أو يستلم دينه ؟


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد


فمن كان له دين على آخر، وهذا الدَّين يبلغ نصاباً وحال عليه الحول وهو لا زال في ذمة المدين، فخلاصة القول فيه ما يلي:

 أنه لا يجب على من له دين على شخص أن يؤدي زكاته قبل قبضه إلا إذا كان الدين على موسر باذل له فهنا تلزمه زكاته كل سنة؛ لأنه كالوديعة لدى المدين وصاحبه أبقاه باختياره فتلزمه زكاته. جاء في المدونة " فقلت لمالك: فإن كان له دين على الناس؟ قال: يزكيه مع ما يزكي من تجارته يوم يزكي تجارته إن كان دينا يرتجي اقتضاءه" اهـ. وجاء في الفواكه الدواني " وكذا ديونه التي على الناس المؤجلة الكائنة من بيع كانت عروضا أو نقودا حيث كانت مرجوة"

وهنا إما أن يزكيه مع ماله فتبرأ ذمته بذلك، وإن لم يزكه مع ماله أولا مال له سواه أولم يجد نقودا يؤدي منها ما وجب عليه فإنه يجب عليه أداء زكاته إذا قبضه ويزكيه لكل الأعوام السابقة فيما لو مكث بيد المدين أعواما.

 وأما إذا كان الدين على معسر، أو غني لا يمكن مطالبته؛ لمطله وظلمه فإنه لا يجب عليه زكاته لكل سنة، وذلك لأنه لا يمكنه الحصول عليه، وبقاؤه بيد المدين ليس باختياره، وقد يحصل وقد لا يحصل فإن قبضه فمن أهل العلم من يقول: يستقبل به حولاً  جديدا. ومنهم من يقول: يزكي لسنة واحدة، وهذا هو الأحوط ويشهد له ما روى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن عمر رضي الله عنه قال : "إذا كان دينك في ثقة فزكه وإن كنت تخاف عليه التلف فلا تزكه حتى تقبضه". وأورد عبد الرزاق في مصنفه أيضا عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في دين لرجل على آخر: "يعطي زكاته قال نعم قال بن جريج فكان عطاء لا يرى في الدَّين صدقة وإن مكث سنين حتى إذا خرج زكاه واحدة...".

وجاء في شرح الخرشي: "المشهور أن الدين النقد إذا كان غير مرجو فإنه لا يزكيه وهو كالعدم، وكذلك على المشهور إذا كان قرضا؛ لعدم النماء فيه، لأنه خارج عن حكم التجارة، ويزكيه لعام واحد بعد قبضه ما لم يؤخر قبضه فرارا من الزكاة " اهـ.

وإن كان قرار مجمع الفقه مال إلى أنه لا يزكيه إذا قبضه حتى يحول عليه الحول عنده فقد جاء فيه :

(إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10- 16 ربيع الآخر 1406هـ/ 22 - 28كانون الأول (ديسمبر) 1985م، بعد أن نظر في الدراسات المعروضة حول زكاة الديون وبعد المناقشة المستفيضة التي تناولت الموضوع من جوانبه المختلفة وتبين منها:

أولاً: أنه لم يرد نص من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله يفصل زكاة الديون.

ثانياً: أنه قد تعدد ما أثر عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم من وجهات نظر في طريقة إخراج زكاة الديون.

ثالثاً: أن قد اختلفت المذاهب الإسلامية بناءً على ذلك اختلافا ًبيناً.

رابعاً: أن الخلاف قد انبنى على الاختلاف في قاعدة هل يعطى المال الذي يمكن عليه صفة الحاصل؟

قرر ما يلي:

أولاً: تجب زكاة الدَّين على رب الدَّين عن كل سنة إذا كان المدين مليئاً باذلاً.

ثانيا ً: تجب الزكاة على رب الدَّين بعد دوران الحول من يوم القبض إذا كان المدين معسراً أو مماطلاً." انتهى.

وأما هل يستدين لدفع الزكاة فلا يلزمه ذلك وله انتظار قبض دينه ويزكيه وفق ما سبق تفصيله والعلم عند الله تعالى.

Image

ما هي الرحم الواجب صلتها وهل للرضاع رحم كرحم القرابة .

السؤال:
بارك الله فيكم شيخنا  اسأل عن الرحم هل كلها على درجة واحدة  أم تختلف  وهل الرضاع كالقرابة في الرحم أم لا  أفيدونا بارك الله فيكم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فالرحم شأنها عظيم من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله  ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن، فقال لها: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك واقطع من قطعك، قالت: بلى يا رب، قال: فذلك لك.

وأجر صلتها عظيم وأثره بالغ ليس فيما تخلفه من تآلف وتراحم بين ذوي الرحم بل على الواصل نفسه  لقوله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه. متفق عليه. والنساء التأخير أي يزد له في عمره ومعنى تلك الزيادة جمعا بين هذا الحديث والاية (لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)  ما ذكره الحافظ  ابن حجر في الفتح:  (قال ابن التين: ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [لأعراف:34]. والجمع بينهما من وجهين:

أحدهما: أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة، وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن تضييعه في غيره ذلك.

ومثل هذا ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم، فأعطاه الله ليلة القدر. وحاصله أن صلة الرحم تكون سبباً للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية، فيبقى بعده الذكر الجميل، فكأنه لم يمت.

ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده، والصدقة الجارية عليه، والخلف الصالح، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب القدر إن شاء الله تعالى.

ثانيهما: أن الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى علم الملَك الموكل بالعمر، وأما الأول الذي دلت عليه الآية، فبالنسبة إلى علم الله تعالى، كأن يقال للملك مثلاً: إن عمر فلأن مائة - مثلاً - إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) [الرعد:39]، فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى، فلا محو فيه ألبتة، ويقال له القضاء المبرم، ويقال للأول القضاء المعلق، والوجه الأول أليق بلفظ حديث الباب، فإن الأثر ما يتبع الشيء، فإذا أخر حسن أن يحمل على الذكر الحسن بعد فقد المذكور.

وقال الطيبي: الوجه الأول أظهر، وإليه يشير كلام صاحب (الفائق) قال: ويجوز أن يكون المعنى: أن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلاً، فلا يضمحل سريعاً كما يضمحل أثر قاطع الرحم، ولما أنشد أبو تمام قوله في بعض المراثي:

توفيت الآمال بعد محمد وأصبح في شغل عن السفر السفر

قال له أبو دلف: لم يمت من قيل فيه هذا الشعر، ومن هذه المادة قول الخليل عليه السلام: (واجعل لي لسان صدق في الآخرين)) انتهى.

ونعود إلى مسألتنا والجواب عن قضية الرحم هل هي على درجة واحدة  أم لا ؟

والجواب عن ذلك  أن الرحم  ليست على درجة سواء بل قسمها أهل العلم على قسمين: رحم يجب وصلها، ويحرم قطعها. وهي كل رحم محرم، وهم القرابات من جهة أصل الإنسان كأبيه وجده وإن علا، وفروعه كأبنائه وبناته وإن نزلوا، وما يتصل بهم من حواشي كالإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات. وضابطها كما قيل أن لو كان أحدهما ذكراً والآخر أنثى حرمت مناكحتهما. كما أن هذا القسم يتفاوت في ذاته فالوالدان ليسا كغيرهما قال الإمام القرطبي في تفسيره: (الرحم على وجهين: عامة وخاصة، فالعامة: رحم الدين، ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان، والمحبة لأهله ونصرتهم، والنصيحة، وترك مضادتهم، والعدل بينهم، والنصفة في معاملتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة كتمريض المرضى، وحقوق الموتى من: غسلهم، والصلاة عليهم، ودفنهم وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم.

وأما الرحم الخاصة فهي: رحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه، فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة كالنفقة، وتفقد أحوالهم وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب.) انتهى كلامه رحمه الله.

والنوع الثاني من الرحم هي التي  تندب صلتها ، ويكره أن تقطع وهي كل رحم غير محرم كأبناء الأعمام وأبناء الأخوال. وضابطها على ما سبق كل من تصح مناكحته لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى .

 

ثم إن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك الهجر، والصلة بالسلام والكلام ولو بالهاتف. وتختلف هذه الدرجات باختلاف القدرة والحاجة. قال العدوي في حاشيته: (والصلة بالزيارة وبذل المال للمحتاج والقول الحسن والسؤال عن الحال... إلى أن قال: والصلة بالزيارة إنما تكون فيمن قرب محل رحمه وإلا فزيارته بالكتب إليه أو إرسال رسوله) انتهى.

قال القرافي في الفروق : (المسألة الثامنة في بيان الواجب من صلة الرحم : قال الشيخ الطرطوشي : قال بعض العلماء : إنما تجب صلة الرحم إذا كان هناك محرمية ، وهما كل شخصين لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى لم يتناكحا كالآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأجداد والجدات وإن علوا ، والأولاد وأولادهم وإن سفلوا ، والأعمام والعمات والأخوال والخالات ، فأما أولاد هؤلاء فليست الصلة بينهم واجبة لجواز المناكحة بينهم ، ويدل على صحة هذا القول تحريم الجمع بين الأختين والمرأة وعمتها وخالتها لما فيه من قطيعة الرحم ، وترك الحرام واجب ، وبرهما وترك إذايتهما واجبة ، ويجوز الجمع بين بنتي العم وبنتي الخال وإن كن يتغايرن ويتقاطعن ، وما ذاك إلا أن صلة الرحم بينهما ليست واجبة ) انتهى .

 

 والمحارم من الرضاعة من هذا الباب أي من ذوي الرحم العامة تتأكد حقوقهم، ويقدمون على غيرهم، ويخصون بنوع إكرام وإحسان، وإن لم تجب لهم الحقوق الواجبة للرحم بالمعنى الخاص، أي القرابات.

ويدل على أن لرحم الرضاع مزية وأنها آكد من مطلق الرحم العامة وإن لم تصل درجة الرحم الخاصة ما رواه أهل السير كابن هشام في السيرة النبوية، وابن القيم في زاد المعاد أنه لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد هوازن كان من جملة من قدم أخته من الرضاعة الشيماء وهي بنت حليمة السعدية، ففرش لها النبي صلى الله عليه وسلم رداءه إكراما لها، وكان من جملة من قدم أيضا عمه من الرضاعة، وسأله أن يعطيه وقومه ما كان قد سبي منهم من النساء والذرية، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وشفع إلى الناس أن يردوا إليهم ما سبي منهم.

والله اعلم.