Image

هل يقع الطلاق عن طريق رسالة بالجوال


سائل يقول حصل بينه خلاف مع زوجته: فأرسل إليها رسالة قال فيها: "أنت بالنسبة لي طالق" وكان ينوي حل العصمة الزوجية. فهل وقع الطلاق وإذا كان قد وقع وهو أول طلاق منه وقال :" أرجعت زوجتي إلى عصمتي" فهل ترجع بذلك الى عصمته.

الحمد لله وبعد فإنه بناء على ما قرره أهل العلم من أن من أرسل رسالة مكتوبة بالطلاق، ونوى إيقاعه فقد وقع الطلاق. فيكون طلاق هذا الرجل  لزوجته واقعا .

وإلى هذا ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي والليث وأحمد بن حنبل (في رواية).

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: " : إذا كتب الطلاق ، فإن نواه طلقت زوجته ، وبهذا قال الشعبي ، والنخعي والزهري والحكم وأبو حنيفة ومالك وهو المنصوص عن الشافعي  " . انتهى من المغني (7/373) .

وبما أن الطلاق قد وقع  وهو أول طلاق يقع منه كما ذكر فإن كانت زوجته لا تزال  في عدتها الرجعية فإنه قد صرح بما يقتضي مراجعتها بقوله :" أرجعت زوجتي إلى عصمتي"  وبهذا تعود إلى عصمته  زوجة له لأن الرجعة حق أثبته الشارع للزوج في فترة العدة ، فإن شاء راجع ، وإن شاء ترك زوجته حتى تنقضي عدتها . لقوله تعالى : ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) البقرة /228. أي في مدة العدة.

وتتحقق الرجعة بأحد أمرين : بالقول وبالفعل . أما الرجعة بالقول : فكما لو قال : راجعت زوجتي ، أو أمسكتها ، أو رددتها إلى عصمتي .  وتتحقق الرجعة بهذه الألفاظ باتفاق الفقهاء .

 قال ابن قدامة في المغني: فصل: "ولا يعتبر في الرجعة رضى المرأة، لقول الله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا {البقرة: 228} فجعل الحق لهم. وقال سبحانه: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ.. فخاطب الأزواج بالأمر، ولم يجعل لهن اختيارا ولأن الرجعة إمساك للمرأة بحكم الزوجية فلم يعتبر رضاها في ذلك، كالتي في صلب نكاحه. وأجمع أهل العلم على هذا. اهـ"

وقال السرخسي في المبسوط: "ولو كتمها الطلاق ثم راجعها وكتمها الرجعة فهي امرأته لأنه في إيقاع الطلاق هو مستبد به وكذلك في الرجعة فإنه استدامة لملكه ولا يلزمها به شيء فلا معتبر بعلمها فيه..."

 

الشيخ الدكتور: أباي محمد محمود الشنقيطي

Image

حكم تغيير الوقف للمصلحة


بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال من اليمن بتاريخ 13/6/2016م :(أرض موقوفة منذو زمن بعيد يصرف ريعها لدار تحفيظ القرآن الكريم  وقد أصبح ذلك الريع قليلا  والناس بحاجة إلى تلك الأرض لبناء مسجد عليها فهل يجوز بيعها لهم وشراء أرض أخرى يكون ريعها أكثر) .

الجواب :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فالأصل أن الوقف لا يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ ؛ وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ ، وَلاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ ) قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقاً بالمعروف، غير متأثل فيه، أو غير متمول فيه. متفق عليه.  رواه البخاري (2764) ومسلم (1633) .

ويجب مراعاة قصد الواقف وشرطه إذا كان مشروعا  فقد نص جمع من أهل العلم على أن شرط الواقف كنص الشارع ما لم يخالفه،  ولا يجوز التصرف في الوقف بخلاف ما قصده الواقف أو شرطه ، إلا عند الضرورة أو المصلحة الراجحة ، كأن يتعطل الوقف فلا يستفاد منه ، أو تكون المصلحة في بيعه أو تحويله أو تغيير شرطه. على الراجح من أقوال أهل العلم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله  في "الفتاوى الكبرى" (5 / 429):

" وَيَجُوزُ تَغْيِيرُ شَرْطِ الْوَاقِفِ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ ، حَتَّى لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ ، وَاحْتَاجَ النَّاسُ إلَى الْجِهَادِ : صُرِفَ إلَى الْجُنْدِ ، وَإِذَا وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ الْحَرَمِ وَعِمَارَتِهِ : فَالْقَائِمُونَ بِالْوَظَائِفِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمَسْجِدُ مِنْ التَّنْظِيفِ وَالْحِفْظِ وَالْفَرْشِ وَفَتْحِ الْأَبْوَابِ وَإِغْلَاقِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ ، يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ ..." انتهى .
 

وإذا كان الأمر كذلك وقلنا بجواز بيع الوقف أو التصرف فيه للمصلحة الراجحة في ذلك  فلا بد أن يكون التصرف حينئذ عن طريق القاضي الشرعي إن وجد أو الجهة القائمة مقامه في ذلك ، ولا يستقل به ناظر الوقف أو المسؤول عنه .

جاء في فتوى اللجنة الدائمة: " إذا كان من بيده قطعة الأرض الزراعية الموقوفة هو الناظر عليها ، فليس له أن يتصرف في هذه القطعة لنفسه أو لغيره ببيع أو ببدل إلا بما فيه غبطة للوقف ومصلحة ، على أن يكون هذا التصرف عن طريق القاضي الشرعي الذي تقع هذه القطعة في حدود ولايته وقضائه ، وإن كان غير ناظر على الوقف فلا يجوز له التصرف في هذه القطعة إلا عن طريق الناظر ، والناظر إنما يتصرف في الوقف على ما تقدم بيانه " انتهى . "فتاوى اللجنة الدائمة" (16 / 76-77)

وبناء على ما سبق تقريره فإذا كانت المصلحة في تلك الأرض الموقوفة بيعها، لكون المنفعة من ورائها قليلة، ولو بيعت وجعل ثمنها في أرض أخرى لكان ذلك أنفع وأوفق لشرط الواقف  : فيجوز بيعها وجعل ثمنها في أرض نافعة تصرف غلتها وريعها على دار التحفيظ وفق ما سبق.

 قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كما في مجموع الفتاوى ج31 ص 261
(وقد ثبت عن الخلفاء الراشدين ـ كعمر وعثمان ـ أنهما قد غيرا صورة الوقف للمصلحة، بل فعل عمر بن الخطاب ما هو أبلغ من ذلك، حيث حول مسجد الكوفة القديم فصار سوق التّمارين، وبنى لهم مسجداً في مكان آخر).

والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.

د. أباي محمد محمود