Image

فتوى حول صرف نصيب في سبيل الله على مدرسة لتعليم القرآن


بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال

معهد متخصص في تدريس علوم القرآن في منطقة لا توجد فيها مؤسسة تعليمية تعنى بهذا التخصص، وهو يقدم لطلابه - إضافة للتدريس - السكن الدائم ومتطلباته، حرصا منه على توفير أكبر وقت ممكن لتعليم الطلاب، نظرا لكون أغلبهم يأتي من أماكن متباعدة، وسعيا منه لخلق بيئة مناسبة لتقديم برامج تربوية ودعوية مصاحبة.

فهل يجوز أن يعطى هذا المعهد من السهم السابع (وفي سبيل الله) ما يصرفه في الأمور التالية:

1 – رواتب المدرسين والمشرفين.

2 – إعاشة الطلاب وشراء الدواء لهم إن لزم حال إقامتهم في المعهد.

3 – أعمال النظافة والحراسة.

 

 الحمد لله وبعد :

فجزى الله خيرا القائمين والساعين في هذا السبيل  فقد قال تعالى :[وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ] (فصلت:33) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. رواه البخاري ومسلم.

وقال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجورهم، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئا. رواه مسلم.

ولا أشرف ولا أعظم من تعليم كتاب الله وخدمة أهله الذين هم أهل الله  وخاصته .

وأما سؤلك فجوابه أن العلماء قد أجمعوا على أن الزكاة لا تصرف إلا في المصارف الثمانية المذكورة في الآية الكريمة، ولا حقَّ لأحدٍ من الناس فيها سواهم، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد ما تلا الآية: [هذه لهؤلاء]. كما ذكر ابن كثير وغيره.

ولكن اختلفوا في مصرف "في سبيل الله" هل هو خاص بالجهاد أم هو أوسع من ذلك وأشمل ويمكن إجمال الخلاف في أقوال ثلاثة:
أولها: أن المقصود به الغزاة في سبيل الله فلا يصرف إلى غيرهم وهذا القول هو قول جمهور أهل العلم من أهل التفسير، والحديث، والفقه.
قال القرطبي رحمه الله في الجامع لأحكام القرآن: ج8، ص185.  " قوله تعالى: "وفي سبيل الله" هم الغزاة، وموضع الرباط يعطون ما ينفقون في غزوهم كانوا أغنياء أو فقراء وهذا قول أكثر العلماء وهو تحصيل مذهب مالك رحمه الله" أ.هـ. 
 وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: ج3، ص259.
"وأما في سبيل الله فالأكثر على أنه يختص بالغازي غنياً كان أو فقيراً إلا أن أبا حنيفة قال يختص بالغازي المحتاج" أ.هـ
ثاني الأقوال: أن المقصود الغزاة، والحجاج، والعمار، فيصرف لهؤلاء دون غيرهم . قال الخازن
في لباب التأويل في معاني التنزيل ج3،ص92. ": "وقال قوم: يجوز أن يصرف سهم سبيل الله إلى الحج يروى ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه".

و في نيل الأوطار للشوكاني : ج4،ص180، 181.:" وأحاديث الباب " أي باب ما يذكر في استيعاب الأصناف " تدل على أن الحج والعمرة من سبيل الله، وأن من جعل شيئاً من ماله في سبيل الله جاز له صرفه في تجهيز الحجاج والمعتمرين، وإذا كان شيئاً مركوباً جاز حمل الحاج. والمعتمر عليه، وتدل أيضاً على أنه يجوز صرف شيء من سهم سبيل الله من الزكاة إلى قاصدي الحج والعمرة" أ.هـ.
ثالث الأقوال: أن المقصود ب"في سبيل الله" أوسع من باب الجهاد وأشمل لأن اللفظ عام و قصره على بعض أفراده دون دليل تحكم غير معتبر وعليه  فيتناول جميع وجوه البر ومن ذلك بناء الجسور، وتشييد المدارس، والمساجد، وغير ذلك وإن كان الجهاد يدخل دخولا أوليا.
قال الخازن في تفسيره لباب التأويل: ج3،ص92:
"وقال بعضهم إن اللفظ عام ولا يجوز قصره على الغزاة فقط ولهذا أجاز بعض الفقهاء صرف سهم سبيل الله إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الجسور والحصون وعمارة المساجد وغير ذلك قال لأن قوله: "وفي سبيل الله" عام فلا يختص بصنف دون غيره" أ.هـ.

وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر: ج 2ص 338.

: "وسبيل الله عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه".أ. هـ.
وقال السيد رشيد رضا في تفسيره المنار: ج10،ص585.:
"والتحقيق أن سبيل الله هنا مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد، وأن حج الأفراد ليس منها لأنه واجب على المستطيع دون غيره، وهو من الفرائض العينية بشرطه كالصلاة والصيام لا من المصالح الدينية الدولية... ولكن شعيرة الحج وإقامة الأمة لها منها فيجوز الصرف من هذا السهم على تأمين طرق الحج وتوفير الماء والغذاء وأسباب الصحة إن لم يوجد لذلك مصرف آخر"أ.هـ.

هذه جملة الأقوال في المسألة وقد استدل كل فريق بأدلة معتبرة لما ذهب إليه وقد استقصى ذلك وفصله الشيخ العلامة/ عبد الله بن سليمان بن منيع في بحث أعده للجنة الدائمة الفتوى يمكن الرجوع إليه والاطلاع عليه .

والذي نراه هنا -بعد استعراض كلام أهل العلم- هو أن القول بجواز صرف ذلك السهم في تلك المصلحة العامة بدفع رواتب المدرسين فيها والمشرفين عليها. و إعاشة طلابها وشراء الدواء لهم إن لزم ذلك. وكذا دفع تكاليف أعمال النظافة فيها وحراستها وغير ذلك مما تحتاجه ولا يوجد ما ينفق عليه غير ذلك السهم .لا حرج فيه إن شاء الله  إذا لم يوجد ما ينفق عليها من غيره،  ولا سيما مع ما ذكر في السؤال من دعاء الحاجة إلى تشييد تلك المدرسة وإعالة طلابها والقائمين عليها. وقد قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جبرين في شرح أخصر المختصرات "وذهب بعض العلماء إلى أن كلمة في سبيل الله تعم وجوه الخير كلها، فيدخل في ذلك بناء المساجد، وبناء المدارس، وإصلاح القناطر، وإصلاح الطرق، وتهيئتها للسالكين، ويدخل في ذلك نشر العلم، وطبع الكتب، وتيسير وسائل العلم وما أشبه ذلك، وقالوا: إن سبيل الله كل وسيلة توصل إلى رضا الله تعالى.

ونقول: إذا تعطلت هذه المصالح ولم يوجد لها إلا مصرف الزكاة صرف فيها من الزكاة، وإلا فالأصل أن الزكاة لها مصرف خاص، وهو كونها في سبيل الله يعني: في القتال."

وقال الشيخ سيد سابق في فقه السنة "ومن أهم ما ينفق في سبيل الله، في زماننا هذا، إعداد الدعاة إلى السلام، وإرسالهم إلى بلاد الكفار، من قبل جمعيات منظمة تمدهم بالمال الكافي، كما يفعله الكفار في نشر دينهم. ويدخل فيه النفقة على المدارس، للعلوم الشرعية، وغيرها مما تقوم به المصلحة العامة. وفي هذه الحالة يعطى منها معلمو هذه المدارس، ما داموا يؤدون وظائفهم المشروعة، التي ينقطعون بها عن كسب آخر... "انتهى.

والله تعالى أعلم .