Image

فتوى من صور بيع المعاطاه


بسم الله الرحمن الرحيم

سؤال:

ما حكم ما يفعله بعض الناس  من أخذ البضاعة من التاجر دون تسمية الثمن ليتم الحساب نهاية الشهر أو نحو ذلك وهل هذا من بيع المعاطاة .

فتوى
الحمد لله وبعد

فهذه الصورة من البيع لا ينبغي الإقدام عليها ابتداء فبيع المعاطاة على القول بجوازه يشترط فيه حضور الثمن والمثمن ليكون أداؤهما قائما مقام اللفظ وقرينة على الرضا المشترط لصحة البيع،  ولأن عدم تسمية الثمن يؤدي الى غرر ونزاع ، ورد الثمن في ذلك إلى العرف لا يمنع النزاع والتهمة  والأصل سد ما يفضي إلى ذلك بين المسلمين ، وإن كانت عادة الناس جارية بمثل تلك البيوع . وقد صرح النووي رحمه الله بالمنع والبطلان ففي المجموع ج9 ص163((فرع) صورة المعاطاة التى فيها الخلاف السابق أن يعطيه درهما أو غيره ويأخذ منه شيئا في مقابلته ولا يوجد لفظ أو يوجد لفظ من أحدهما دون الآخر فإذا ظهر والقرينة وجود الرضى من الجانبين حصلت المعاطاة وجري فيها الخلاف وقد صرح بهذا التصوير المتولي كما قدمناه عنه وكذا صرح به آخرون قال الشيخ أبو عمر وبن الصلاح رضى الله عنه وما وجد من بعض أئمتنا في تصويرها من ذكر لفظ كقوله خذ واعطى فهو داخل في عموم ما ذكرناه من القرينة فان ذلك مفروض فيما إذا لم ينو البيع بهذا اللفظ الذى قرن بالعطية فان نواه به فهى مسألة البيع بالكناية وفى صحته بالكناية وجهان (أصحهما) الصحة مع قولنا لا ينعقد بالمعاطاة هذا كلام أبى عمرو.

فاما إذا أخذ منه شيئا ولم يعطه شيئا ولم يتلفظا ببيع بل نويا أخذه بثمنه المعتاد كما يفعله كثير من الناس فهذا باطل بلا خلاف لانه ليس ببيع لفظي ولا معاطاة ولا يعد بيعا فهو باطل ولنعلم هذا ولنحترز منه ولا نغتر بكثرة من يفعله فان كثيرا من الناس يأخذ الحوائج من البياع مرة بعد مرة من غير مبايعة ولا معاطاة ثم بعد مدة يحاسبه ويعطيه العوض وهذا باطل بلا خلاف لما ذكرناه والله أعلم)

لكن بعض فقهاء المالكية لم يروا بطلان هذه الصورة وإنما ذكروا عدم لزوم العقد فيها قبل القبض  بل ذكر بعضهم جواز الإقدام على استعمال الثمن قبل الدفع مما يدل على جواز ذلك قال  الحطاب الرعيني في مواهب الجليل ج4ص229 إذ قال (وإن بمعاطاة يعني أن الدلالة على الرضا يكفي فيها الفعل؛ لأنه يدل على الرضا في كثير من الأمور دلالة عرفية، وإن كان ذلك الفعل معاطاة وعلم من هذا أن بيع المعاطاة المحضة العاري عن القول من الجانبين لا بد فيه من حضور الثمن والمثمن، ولذا، قال ابن عرفة أثناء كلامه في بيعتين في بيعة وبياعات زماننا في الأسواق إنما هي بالمعاطاة فهي منحلة قبل قبض المبيع، انتهى.)

وكلام ابن عرفة يفهم منه أن العقد يتم بذلك الفعل وإنما يبقى اللزوم إلى حين القبض كما بين الخرشي في شرح المختصر ج5ص 5 حيث قال: (والمعاطاة المحضة العارية عن القول من الجانبين لا بد فيها من حضور الثمن والمثمن أي قبضهما، وإلا فهو غير لازم فمن أخذ ما علم ثمنه لا يلزم البيع إلا بدفع الثمن وكذلك من دفع ثمن رغيف مثلا لشخص فإنه لا يلزم البيع حتى يقبض الرغيف، وأما أصل وجود العقد فلا يتوقف على قبض شيء من ذلك فمن أخذ ما علم ثمنه من مالكه ولم يدفع له الثمن فقد وجد بذلك أصل العقد ولا يوجد لزومه إلا بدفع الثمن، ولو توقف وجود العقد على دفع الثمن لكان تصرفه فيه بالأكل ونحوه من التصرف فيما لم يدخل في ملكه هذا ما يفيده كلام ابن عرفة)

وأوضح الدرير في الشرح الكبيرج3ص3 ذلك بالنص على جواز استعمال المشتري لما قبض معاطاة قبل دفع لثمن ان وجد ما يدل على الرضا من البائع  فقال (. (قوله: وإن بمعاطاة) أي هذا إذا كان دال الرضا غير معاطاة بأن كان قولا أو كتابة أو إشارة بل، وإن كان دال الرضا معاطاة وفاقا لأحمد وخلافا للشافعي القائل لا بد من القول من الجانبين مطلقا أي كان البيع من المحقرات أم لا، ولأبي حنيفة في غير المحقرات فلا بد فيها من القول عنده من الجانبين وتكفي المعاطاة في المحقرات.

(قوله: ولزوم البيع فيها) أي في المعاطاة بالتقابض أي بالقبض من الجانبين، فمن أخذ رغيفا من شخص ودفع له ثمنه فلا يجوز له رده وأخذ بدله للشك في التماثل، بخلاف ما لو أخذ الرغيف ولم يدفع ثمنه فيجوز له رده وأخذ بدله لعدم لزوم البيع (قوله: ولا يتوقف العقد) أي صحة العقد وقوله: فيجوز أن يتصرف فيه بالأكل ونحوه، أي كالصدقة قبل دفع ثمنه أي إن وجد من الآخر ما يدل على الرضا...)

وفي حاشية الصاوي على الشرح الصغير ما يدل على اعتبار الاستئمان في الثمن في المعاطاة فيأخذ المشتري السلعة مستأمنا البائع في تحديد الثمن الذي تباع به وهذا أقرب إلى الصورة محل السؤال قال ج3ص14(محل إجزاء المعاطاة: حيث أفادت في العرف، ولا تلزم إلا بالدفع من الجانبين ... ولا بد من معرفة الثمن إلا الاستئمان.)

وعلى هذا فاجتناب مثل هذا البيع أولى بلا شك لكن لو تم فلا يفسخ  ويكون الثمن ما حدده البائع وقد استؤمن عليه .

والله تعالى أعلم