Image

شرح بعض المتون " الآجرومية ، الأخضري ، البيقونية ، الجزرية " وبعض المحاضرات والدروس.




شرح الإجرومية
شرح الاخضري
شرح البيقونية
شرح الجزرية
وبعض محاضراته







Image

احتيال الزوجة على ضرتها لتطلقها






السلام عليكم ورحمة الله


ما حكم رجل له زوجتان فأخذت إحداهما هاتف الأخرى واتصلت منه  على الزوج تسأله الطلاق  على أنها صاحبة الجوال فطلقها بناء على طلبها الطلاق ، فعلى من يقع الطلاق في هذه الحالة ، وهل حيلة الزوجة الثانية في طلاق ضرتها تؤثر فلا يقع الطلاق أم ماذا. ؟


الحمد لله وبعد فهذه المسألة من نوازل العصر وتبعات استخدام وسائل الاتصال الحديثة، ومحل الإشكال فيها كون الزوج هنا قد احتالت عليه إحدى زوجتيه ليطلق ضرتها فطلقها وهو لا يعلم أن المتصلة غير المقصودة بالطلاق. ولنفترض مثلا أن لمحمد زوجتان إحداهما اسمها زينب والأخرى اسمها سعاد فأخذت سعاد جوال زينب واتصلت منه على محمد تسأله الطلاق فطلقها ظانا أنها زينب فكان الخطاب موجها للمتصلة سعاد والقصد بالطلاق لصاحبة الجوال زينب التي ظنها هي المتصلة. ومع أن صورة المسألة محدثة  لكن الفقهاء تكلموا عنها أو عما يماثلها يقول خليل ابن إسحاق في مختصره (أَوْ قَالَ: يَا حَفْصَةُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَطَلَّقَهَا فالمدعوة...) أي أن الطلاق هنا يقع على حفصة المدعوة المقصودة لا التي أجا بته لأنه لم يقصدها بالطلاق وإن كان الخطاب موجها إليها، والكلام هنا في مقام الفتيا لا القضاء ففيه تفصيل آخر قال الحطاب شارحا: ((أو قال) الزوج وله زوجتان حفصة وعمرة (يا حفصة فأجابته) أي الزوج (عمرة) لظنها أنه يريد أن يعطيها شيئا أو يستمتع بها (فطلقها) أي خاطب الزوج عمرة التي أجابته بصيغة الطلاق ظانا أنها حفصة التي ناداها (فالمدعوة) أي حفصة التي دعاها الزوج هي المطلقة في الفتيا لا عمرة المجيبة لأنه لم يقصد طلاقها ))

وعند الحنابلة تطلق المناداة أيضا جاء في الفروع لابن مفلح (وإن نادى هندا فأجابته عمرة أو لم تجبه وهي الحاضرة فقال: أنت طالق يظنها المناداة طلقت...) وفي الإنصاف للمرداوي: (تطلق التي ناداها فقط، نقله مهنا، وهو المذهب، قال أبو بكر: لا يختلف كلام الإمام أحمد - رحمه الله -: أنها لا تطلق غير المناداة، وهو ظاهر ما جزم به في الوجيز، وقدمه في المحرر، والفروع)

وللشافعية تفصيل وأوجه خمسة في نحو تلك العبارة ذكرها الماوردي في الحاوي لكن قال الشيخ زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: (لو نادى عمرة فأجابته حفصة فطلقها يظنها عمرة طلقت) لأنه خاطبها بالطلاق وهي زوجته (لا عمرة) لأنها لم تخاطب بالطلاق وظن خطابها به لا يقتضي وقوعه عليها ) وهذا عكس ما ذكره المالكية والحنابلة من وقوع الطلاق على المقصودة بالنداء لا المجيبة.

وهذه المسألة تندرج  تحت قاعدة فقهية هي"قاعدة: هل النظر إلى المقصود أو إلى الموجود" جاء في شرح المنهج المنتخب على قواعد المذهب للمنجوري : "...وهل يعتبر...

إفساد ما صح بنية قفى ... طالق أن يطأ فلم يعلم قفى –

 وحفصة مع عمرة كناصح ... مع مريزق وشبه واضح

أى هل يفسد الصحيح بالنية أو لا؟  وعليه مسألة لو مرت برجل امرأة فى ظلام ليل فوضع يده عليها ظانا أنها زوجته فقال: أنت طالق إن وطئتك الليلة فوطئها، فإذا هى غير امرأته ففى لزوم الطلاق قولان  ومسألة ناصح، ومرزوق وحفصة، وعمرة وشبه ذلك..."

وعلى ما ذكره المالكية والحنابلة فالطلاق هنا يقع على من ظنها سألت الطلاق وقصدها به وهي زينب في المثال  لا المتصلة وهي سعاد لأنه لم يقصدها بالطلاق وإن توجه الخطاب إليها ظانا أنها زينب وأما الشافعية فالطلاق هنا يقع على سعاد لخطابها به ولا يؤثر كونه ظنها زينب وإن كانت هنالك تفريعات وتفصيلات أخرى ذكرها أصحاب المذاهب ولا سيما فيما يتعلق بحكم القاضي فيها.

غير أن لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وتلميذه ابن القيم رأيا آخر لا بد من ذكره هنا وهو أن هذا الطلاق لا يقع  لأن الزوج إنما أوقعه لسبب وهو أن زينب طلبت الطلاق والحقيقة أنها لم تطلبه بل احتالت ضرتها عليها قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى:( وكذلك لو طلق امرأته بصفة ثم تبين بخلافها، مثل أن يقول أنت طالق أن دخلت الدار -بالفتح- أي لأجل دخولك الدار ولم تكن دخلت، فهل يقع به الطلاق؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره، وكذلك إذا قال: أنت طالق لأنك فعلت كذا ونحوه ولكن تكن فعلته).

وقال ابن القيم فى إعلام الموقعين: (وإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق ثلاثا لأجل كلامك لزيد وخروجك من بيتي، فبان أنها لم تكلمه ولم تخرج من بيته لم تطلق، صرح به الأصحاب قال ابن أبي موسى في الإرشاد ... والمقصود أنه إذا علل الطلاق بعلة ثم تبين انتفاؤها، فمذهب أحمد أنه لا يقع بها الطلاق, وعند شيخنا لا يشترط ذكر التعليل بلفظه, ولا فرق عنده بين أن يطلقها لعلة مذكورة في اللفظ أوغير مذكورة, فإذا تبين انتفاؤها لم يقع الطلاق، وهذا هو الذي لا يليق بالمذهب غيره، ولا تقتضي قواعد الأئمة غيره، فإذا قيل له: امرأتك قد شربت مع فلان أو باتت عنده، فقال: اشهدوا علي أنها طالق ثلاثا، ثم علم أنها كانت تلك الليلة في بيتها قائمة تصلي، فإن هذا الطلاق لا يقع به قطعا).انتهى

وفي هذا القول تيسير ورفع للضرر عن الزوجة التي تم الاحتيال عليها، مع التنبيه على حرمة هذا الفعل ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، أو يبيع على بيعه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في صحفتها، أو إنائها، فإنما رزقها على الله تعالى.
والله أعلم
حرره. د. أباي محمد محمود بتاريخ 24/12/2017م