Image

المذبوحة من القفا هل يحل أكلها ؟


فضيلة الشيخ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما حكم ذبح البهيمة من القفا بضربة واحدة بالسيف مع إبانة رأسها؟



الحمد لله وبعد فهذه المسألة من مسائل الخلاف المشهورة بين أهل العلم وقد نقلت لك فيها أقوال المذاهب الأربعة الحنفي فالمالكي فالشافعي فالحنبلي وذكرت سبب الخلاف وختمت ذلك بخلاصة تبين لي رجحانها من خلال ما ذكروه .

فأما أقوالهم في المسألة فهي كالتالي:

الحنفية :  قال السرخسي الحنفي في المبسوط: (وإن بدأ من قبل القفا، فإن قطع الحلقوم والأوداج قبل أن تموت الشاة حلت، فإن ماتت قبل أن تقطع الحلقوم والأوداج لم تؤكل؛ لأن فعل الذكاة بقطع الحلقوم والأوداج عند القدرة... (وعن) سعيد بن المسيب - رضي الله عنه - قال: الذكاة ما بين اللبة واللحيين وبه نأخذ، وقد روي هذا اللفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمراد بيان محل الذكاة عند الاختيار، وفيه دليل على أن أعلى الحلق وأوسطه وأسفله سواء في ذلك؛ لأن الكل في المعنى المطلوب بالذكاة سواء.)

وفي بدائع الصنائع للكاساني الحنفي أيضا: (وإن ضربها من القفا فإن ماتت قبل القطع بأن ضرب على التأني والتوقف لا تؤكل؛ لأنها ماتت قبل الذكاة فكانت ميتة وإن قطع العروق قبل موتها تؤكل لوجود فعل الذكاة وهي حية إلا أنه يكره ذلك؛ لأنه زاد في ألمها من غير حاجة وإن أمضى فعله من غير توقف تؤكل؛ لأن الظاهر أن موتها بالذكاة) انتهى.

المالكية: جاء في البيان والتحصيل لابن رشد المالكي: (ما في المدونة وغيرها أن من ذبح من القفا لم تؤكل ذبيحته، والمعنى في ذلك بين؛ لأن من ذبح من القفا فقد قطع النخاع وهو المخ الذي في عظم الرقبة قبل أن يصل إلى موضع الذبح، فيكون بفعله قد قتل البهيمة بقطعه نخاعها إذ هو مقتل من مقاتلها قبل أن يذبحها في موضع ذكاتها)

وفي جامع الأمهات لابن الحاجب المالكي: (ولو ذبح من العنق أو من القفا لم يؤكل ولو نوى الذكاة)

الشافعية: جاء في الأم للشافعي ( ولو ذبح رجل ذبيحة فسبقته يده فأبان رأسها، أكلها وذلك أنه أتى بالذكاة قبل قطع الرأس ولو ذبحها من قفاها أو أحد صفحتي عنقها ثم لم يعلم متى ماتت لم يأكلها حتى يعلم فإن علم أنها حييت بعد قطع القفا أو أحد صفحتي العنق حتى وصل بالمدية إلى الحلقوم والمريء فقطعهما وهي حية أكل وكان مسيئا بالجرح الأول كما لو جرحها ثم ذكاها كان مسيئا وكانت حلالا ولا يضره بعد قطع الحلقوم والمريء معا، أقطع ما بقي من رأسها أو لم يقطعه، إنما أنظر إلى الحلقوم والمريء فإذا وصل إلى قطعهما وفيها الحياة كانت ذكية وإذا لم يصل إلى ذلك وفيها الحياة كانت ميتة).

وفي الحاوي الكبير للماوردي الشافعي: (ذبح الشاة من القفا مكروه وإنما كرهناه لأمرين أحدهما: لما فيه من تعذيبها والثاني: لما يخاف من موتها قبل الوصول إلى ذكاتها فإن فعل لم يخل حالها من ثلاثة أقسام:

أحدها: أن يعلم موتها بقطع القفا قبل وصول السكين إلى قطع الحلقوم والمريء فتكون ميتة لا تؤكل وكذلك لو بقيت فيها عند وصول السكين إلى قطع الحلقوم والمريء حياة غير مستقرة لحياة المذبوح لم تؤكل وإنما كان كذلك لأن الذكاة لا تستباح إلا بقطع الحلقوم والمريء وقطع قفاها يجري في فوات نفسها مجرى كسر صلبها وبقر بطنها ولا تحصل به ذكاة وإن وحي.

والقسم الثاني: إن قطع حلقومها ومريئها فهذه ذكية تؤكل...)

وفي البيان للعمراني الشافعي: (وإن ذبح الحيوان من قفاه.. نظرت: فإن كانت فيه حياة مستقرة بعد قطع الرقبة وقبل قطع الحلقوم والمريء.. حل أكله. وإن لم تكن فيه حياة مستقرة.. لم يحل أكله.

قال الشيخ أبو حامد: وإنما يعرف هذا بالحركة، فان كانت الحركة قوية قبل قطع الحلقوم والمريء والودجين.. حل أكلها. وإن لم تكن هناك حركة.. لم يحل أكلها...)



الحنابلة:  جاء  في المغني لابن قدامة  الحنبلي: (إن ذبحها من قفاها اختيارًا, فقد ذكرنا عن أحمد أنها لا تؤكل، وهو مفهوم كلام الخرقي... وقال القاضي: إن بقيت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء حلّت, وإلا فلا, ويعتبر ذلك بالحركة القوية...وهذا أصح; لأن الذبح إذا أتى على ما فيه حياة مستقرة, أحلّه, كأكيلة السبع, والمتردية، والنطيحة.)

 



وفي شرح الزركشي على مختصر الخرقي من كتب الحنابلة: (فإن ذبح من القفا لم تؤكل، سواء قطع الرأس أو لم يقطع. وحكى القاضي والشيرازي وغيرهما رواية أخرى بالإباحة بشرطه، وهو اختيار القاضي، والشيرازي، وأبي محمد وغيرهم، لأن الذبح إذا أتى على ما فيه حياة مستقرة أحله، دليله المتردية، وأكيلة السبع، ونحوهما.

وشرط الحل حيث قلنا به أن تأتي السكين على موضع الذبح وفيه حياة مستقرة، ويعلم ذلك بوجود الحركة القوية قاله القاضي، ولم يعتبر أبو البركات القوة، وقوة كلام الخرقي وغيره يقتضي أنه لا بد من علم ذلك، وقال أبو محمد: إن لم يعلم ذلك فإن كان الغالب البقاء لحدة الآلة وسرعة القطع، فالأولى الإباحة، وإن كانت الآلة كالة، وأبطأ القطع لم يبح).

سبب الخلاف :  يظهر من خلال ما ذكروه في التعليل  أن سبب الخلاف بين من قال بالمنع ومن قال بصحة الذبح من القفا والحل هو هل المذبوحة من القفا تبقى فيها حياة مستقرة بعد ذبحها من القفا قبل الوصول إلى محل ذكاتها أو لا؟
فهناك فعلان: أحدهما: تتعلق به الإباحة وهو قطع محل الذكاة، والآخر: يتعلق به الحظر وهو قطع المقاتل أولا.
فمن قال بالإباحة قال حصل المقصود من الذبح فاجتمع قطع ما تبقى الحياة معه مع الذبح فأبيحت. ومن منع قال نفذت مقاتلها قبل الوصول إلى محل الذكاة فلم تبق فيها حياة مستقرة والحياة غير المستقرة كالعدم فلا تؤثر فيها الذكاة.

قال ابن رشد بداية المجتهد:(وسبب اختلافهم هل تعمل الذكاة في المنفوذة المقاتل أم لا تعمل؟، وذلك أن القاطع لأعضاء الذكاة من القفا لا يصل إليها بالقطع إلا بعد قطع النخاع، وهو مقتل من المقاتل، فترد الذكاة على حيوان قد أصيب مقتله)

والخلاصة: أن الأصل في الذبح: أن يكون من الحلقوم، ولا ينبغي ترك ذلك اختيارا إلى القفا. فإن ذبح من القفا وكانت إبانة الرأس في لحظة أي تم بسرعة بحيث لا يغلب على الظن كون البهيمة ماتت قبل الوصول الى محل الذكاة بل بقيت حية الى ما بعد قطع ما يشترط في الذكاة ويكون ذلك بقوة الذابح شخصا كان أو آلة كالآلات الحديثة القاطعة إذا كان كذلك فالذي يظهر رجحانه، حصول الذكاة الصحيحة وحل البهيمة  سواء أكان ذلك عن عمد، أو عن غير عمدٍ.


والقول بالإباحة  يعتبر هو المذهب لدى الجمهور وفق ما سبق بيانه من نقولات جاء في التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن : ( وسئل أبو حنيفة عن الشاة تذبح من قبل قفاها هل تؤكل؟ فقال: إن كانت الشاة لم تمت حتى وصل إلى الأوداج فقطعها فلا بأس بأكلها، وإن كانت ماتت قبل أن تصل إلى الأوداج فهي ميتة لا خير في أكلها، قيل: أفيكره ذلك الصنع؟ قال: نعم، وهو قول صاحبيه،...

وقال الثوري: إن ذبحت من قبل القفا فبلغ الذبح المذبح فسميت فكل، ولا يتعمد ذلك، وقال الأوزاعي وعبيد الله بن الحسن والحسن ابن صالح: لا بأس، وعن الشافعي: إن تحركت قبل قطع رأسها أكلت وإلا فلا).
وأما لو كان الذبح من القفا ببطء لكون الآلة غير قاطعة أو الذابح ضعيفا فالأظهر عدم الحلية هنا وأنها ماتت قبل قطع محل الذكاة فتترك.


 والله أعلم.