Image

عقد النكاح عن طريق الهاتف





السلام عليكم ورحمة  الله وبركاته  هل يصح عقد النكاح من خلال الهاتف أو غيره من وسائل الاتصال كالواتساب.

الحمد لله وبعد 

فقد اختلف أهل العلم في إجراء عقد النكاح بالوسائل الحديثة كالاتصال بالهاتف أو عن طريق الانترنت، فمنهم من منع ذلك احتياطا فيه لأنه يمكن أن يُقلد الصوت ويحصل الخداع ، ولاشتراط الشهادة فيه وتعذرها غالبا إذا تم بالهاتف ونحوه.

مع التسليم بأن وجود شخصين على الهاتف في نفس الوقت له حكم المجلس الواحد ، فالتعاقد عبر هذه الوسائل ليس تعاقدًا بين حاضرين من كل وجه، ولا بين غائبين من كل وجه، فالمتعاقدان لا يضمهما مجلس واحد، لكن ليس ثمة فاصل زمني بين القبول والعلم به  فهو  تعاقد بين حاضرين زمانا ، وبين غائبين مكانا ؛ نظرًا لبعد المسافة بينهما.  

ولهذا ذهب بعض العلماء إلى القول بجواز إجراء عقد النكاح بهذه الوسائل  إذا أُمن التلاعب ، فاتحاد المجلس كائن حكما  والشهادة على هذا العقد ممكنة  بسماع صوت المتكلم عبر الهاتف أو الإنترنت ، بل في ظل التقدم العلمي اليوم يمكن مشاهدة الولي وسماع صوته أثناء الإيجاب ، كما يمكن مشاهدة الزوج أيضا.

ولعل الأقرب هنا القول بجواز إجراء عقد النكاح عن طريق الهاتف والإنترنت إذا أُمن التلاعب ، وتم التحقق من شخص الزوج والولي ، وسمع الشاهدان الإيجابَ والقبول .

فقد صار أغلب عمل الناس اليوم  بهذه الوسائل في معاملاتهم ودراستهم وغيرها من أمورهم ، ويطمئنون إليها كما يطمئنون حال المباشرة  والمقابلة وجها لوجه، فتجد التاجر إذا أرد بضاعة أو دفع مال أو غير ذلك يتصل بمن يريد في ذلك كله وهو مطمئن تماما، وحالات تقمص الشخصيات والخداع في ذلك نادرة قليلة ، والنادر لا يعطى حكما، والخداع محتمل حتى حال المباشرة فهناك الوجوه التنكرية  وتقليد الأصوات وغير ذلك وبالتالي فهذا الاحتمال لا تأثير له. ولأن النساء يسافرن للدراسة، والتجارة وغير ذلك، وقد تجد إحداهن كفؤا حال سفرها وغربتها، وحاجتها إلى الزواج حينئذ ربما تكون أعظم،  فلوسد هذا الباب لأدى ذلك إلى حرج شديد ووقوع  مفاسد كثيرة، والمحاذير التي تخشى من إجراء العقود بهذه الوسائل لا تقوم أمام المفاسد التي قد تكون عند المنع من ذلك، وقواعد الشرع تقتضي دفع أعظم المفسدتين بارتكاب أخفهما.

  فالحاجة إذا داعية إلى اعتبار صحة عقد النكاح إذا تم من خلال هذه الوسائل الحديثة مع مراعاة الحيطة واشتراط وجوب التثبت  حتى يغلب على الظن صحة ما تنسبه الآلة الحديثة من أقوال وتصرفات، إلى الطرفين وبغالب الظن يدور المعتبر كما قال العلوي في مراقيه.  

وبهذا ننتهي إلى أن عقد النكاح بوسائل الاتصال الحديثة يُكيَّف على أنه يأخذ حكم العقد المباشر، ما دامت أركان العقد قائمة، والشروط متوافرة، إذ يمكن إحضار الشهود عند المخاطبة، وسماعهم كلام العاقدين، فإذا تحقق ذلك جاز القبول والإيجاب أمام الشهود، وتترتب الآثار الشرعية  عليه كما تترتب على التعاقد بين المتعاقدين الحاضرين.

ولمن أراد الاحتياط  -وهو الأولى- أن يوكل  من خلال الهاتف أو غيره من وسائل التواصل فيوكل أحد طرفي العقد من ينوبه ويباشر العقد دونه. فهذا لا حرج فيه كأن يتصل الزوج بمن يوكله في القبول او يتصل ولي المرأة بمن يوكله في الايجاب عنه والإيجاب هو اللفظ الصادر من الولي أو وكيله . والقبول : هو اللفظ الصادر من الزوج أو وكيله. وفي هذا مخرج شرعي وهو اولى من عقد النكاح مباشرة بالهاتف أو غيره على القول بصحته خروجا من الخلاف.

وعقد التوكيل بالهاتف صحيح كما قرر ذلك جمع من العلماء، وقررته المجامع الفقهية.   والله أعلم.       د. أباي محمد محمود

0 التعليقات: