‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات عامة. إظهار كافة الرسائل
Image

تفشي اللحن في وسائل الإعلام

           



  لما ذا وضعت قواعد الإعراب وأسس علم النحو والصرف ؟ لقد كان ذلك لتدارك انتشار اللحن وفساد ألسنة الناس بسبب ضعف السليقة وقد قال عمر للفتيان لما أخطؤوا في رميهم واعتذروا قائلين إنا قوم متعلمين -والصواب متعلمون - قال والله لخطؤكم في لسانكم أشد من خطئكم في رميكم. 
  وقال أبو الأسود لابنته لما قالت له ما أحسن السماء -برفع أحسن- قال: نجومها قالت: أنا متعجبة لا مستفهة  قال: افتحي فاك إذن أي قولي: ما أحسن السماء -بفتح أحسن والسماء-. وخرج فزعا إلى أمير المؤمنين علي فقال له: أدرك لسان العرب يا أمير المؤمنين.
وما أحوجنا اليوم إلى تدارك لسان العرب وقد وقف بثنية الوداع وهم قبلي مزنه بالإقلاع كما قال الفيروز آبادي في خطبة قاموسه:( وما أجدر هذا اللسان - وهو حبيب النفس ، وعشيق الطبع ، وسمير ضمير الجمع ، وقد وقف على ثنية الوداع ، وهم قبلي مزنه بالإقلاع - بأن يعتنق ضما والتزاما كالأحبة لدى التوديع ، ويكرم بنقل الخطوات على آثاره حالة التشييع).
 ولو تساءلنا ما سبب فشو اللحن وانتشاره؟ والسؤال الأدهى من ذلك وأمر. ما سر قبول تلك الظاهرة وعدم نفور الذائقة منها؟.
لو جدنا أن من أهم أسبابها وسائل الإعلام المسموعة والمرئيّة ، والمقروءة ، فهي تقتحم كلّ بيت ، بل تصل إلى أهل البادية في خيامهم ، والرعاة في مسارحهم. يسمعها الكبير، والصغير والذكر، والأنثى. وقد شاع فيها اللحن وفشا في نشرات الأخبار والحورات والبرامج المتنوّعة والمسلسلات والعناوين والإعلانات بل وحتى الأناشيد. 
وكثرة المساس تميت الإحساس. وحينما يسمع المرء جملة خاطئة كل يوم يألفها ذهنه ويستسيغها ذوقه ويسهل مرورها على لسانه دون ملاحظة الخطإ هذا إذا كان عارفا بالقواعد أو له سليقة لغوية فكيف بغيره.
 ومما يذكر هنا أن هنالك إعلانا يتضمن نشيدا أسمعه في اليوم مرات كثيرة في إحدى الإذاعات المشهورة ولها جمهور عريض وفي الإعلان عبارة " كأيتام" يرفعها ضاربا بحرف الجر عرض الحائط حتى إني حفظت الجملة الخاطئة وألفتها وأظن أني لو نطقتها لنطقتها على نحو ما أسمع كل يوم رغم أن سمعي مجها بادئ الأمر ونفر منها وكنت أنقص الصوت حتى تتجاوز لكني ألفتها بعد ذلك فكيف حال من لا يعلم كونها خاطئة.
إن على وسائل الإعلام عبء ثقيل ومسؤولية مهمة تجاه المجتع ، وهي مسؤولة أولا عن فشو اللحن وضعف الذائقة اللغوية بما تبثه وتكتبه وتنشره.
فليتقوا الله فينا إننا نفر ::: في علمنا وتقانا تنزل البركة.
كما يقول الشاعر التقي ولد الشيخ.
 ثم إن من أسباب فشو اللحن أيضا وسائل التواصل الاجتماعي فهي مفتوحة ليكتب فيها كل من هب ودب وربما يحمل الكاتب فكرا لكنه لا يحمل لغة سليمة يعبر بها عن فكره، والقارئ أيضا ليس لديه ما يميز به الصحيح من الخطإ فيقر ما يكتب على أنه صحيح كله، وقد يعجب به ويبدي إعجابه فيزداد الكاتب غرورا بنفسه ويتمادي حتى يتصدر المجالس ويعلوا المنابر ويستضاف في البرامج والحوارات مفكرا وكاتبا وووو. بسبب شهادة وإعجاب وثناء ممن ليس أهلا لذلك. 
وهم الإعلام أن يبرز الشخصيات المشهورة للجمهور فقط على علاتها. 
فوسائل التواصل الاجتماعي ساعدت في انتشار تلك الظاهرة فقد شجعت كل شخص أن يكتب ويقول؛ لأنه سيجد من يقرأ ومن يستمع بل ويستحلي ذلك.
ولا أنسى هنا أيضا الخطباء والوعاظ والمحاضرين من أستاذة وغيرهم فهؤلاء هم قدوات المجتمع يتعلم الناس منهم وأغلبهم لا يقيم وزنا لقواعد اللغة وإعرابها رغم ما لديهم من علم وثقافة ولله در أبي الطيب إذ قال:
                   ولم أر في عيوب الناس شيئا *** كنقص القادرين على التمام 
وعلى كل فلا بد من مراجعة هذه الأسباب وغيرها لتدارك هذا اللسان الذي نزل به القرآن فبذلك تحفظ شريعة الإسلام وتصان وتعزز الهوية الثقافية للأمة وتأمن من الامتهان.