Image

بيع سلعة رديئة مع سلعة جيدة رائجة


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أود الاستفسار منكم حول ما يفعله بعض التجار من ربط سلعة غير رائجة بسلعة رائجة فلا يبعون الرائجة إلا مع الثانية، فيستغلون حاجة المرء إلى السلعة الرائجة ليبيعوه السلعة غير الرائجة معها فهل يجوز ذلك وهل يصح هذا البيع. أفيدونا أفادكم الله وحفظكم من كل مكروه.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فربط التاجر بين سلعتين أو أكثر في البيع بقصد ترويج غير الرائج  أوغير ذلك لا يمنع صحة البيع ، ولم تزل عادة التجار على ذلك الفعل، ولا فرق هنا بين أن تكون السلع متفقة في الجنس أو مختلفة، فلو قال التاجر مثلا: أنا لا أبيع هذه السيارة إلا مع هذا العقار، أو لا أبيع هذا القميص إلا مع هذا الإناء، أو لا أبيع هذه الشاة إلا مع هذه البقرة، او لا أبيع، الناقة إلا مع ولدها ... وهكذا.

فيصح اشتراط البائع الجمع بين سلعتين في البيع معا، إذا كانتا معلومتين، وكان الثمن معلوما، ولو كانت إحدى السلعتين رائجة والأخرى  كاسدة، وسواء جعل لهما ثمنا واحدا دون تفصيل، أو تم تبين ثمن كل سلعة، وهذا هو الأولى.

سئل الشيخ عليش المالكي رحمه الله تعالى: "عما يقع في بعض الأرياف من بيع الرجل البقرة بنتاجها، أو النعجة بنتاجها, ولم يفصّل ما لكل منهما من الثمن. فهل إذا قام أحد المتبايعين يريد إبطال البيع بسبب ذلك، ليس له ذلك؟

فأجاب: نعم، ليس له ذلك؛ لانتفاء الجهل عن الثمن، والمثمن جملة، وتفصيلا؛ لعلم المتبايعين أن الثمن، والمُثْمن البقرة، وولدها مثلا، ولا ينافي هذا عدم تفصيل ما لكل منهما منها...". انتهى من فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك 2/ 99.

وفي شرح مختصر خليل للخرشي ممزوجا بنص المختصر:  5/32 (ويجوز بيع ثمر الحائطين جزافا وإن اختلف تمرهما بثمن واحد و يجوز مكيلان كذلك صفقة واحدة "وجزاف مع عرض" أي ويجوز جزاف على أصله أو غير أصله كصبرة أو قطعة أرض مع عرض...).

وفي المحيط البرهاني في الفقه النعماني 6/280 (وفي الصفقة الواحدة ضم الرديء إلى الجيد في البيع والحط عن بعض ثمن الجيد معتاد فيما بين الناس).

وقال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع 5/136"والصفقة إذا وقعت مجتمعة من البائع لا يملك المشتري تفريقها قبل التمام؛ لأن من عادة التجار ضم الرديء إلى الجيد ترويجا للرديء بواسطة الجيد فلو ثبت للمشتري ولاية التفريق لقبل في الجيد دون الرديء فيتضرر به البائع، والضرر منفي؛ ولأن غرض الترويج لا يحصل إلا بالقبول فيهما جميعا فلا يكون راضيا بالقبول في أحدهما".

ولكن القول بصحة هذا البيع لا ينافي كراهته؛ لما فيه من استغلال حاجة الناس؛ ولأن الإسلام قد دعا إلى التسامح في البيع واجتناب الجشع والأنانية، ففي حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى" رواه البخاري.

فهذا دعاء منه صلى الله عليه وسلم لمن يتصف بذلك ويلتزم هذا السلوك في معاملاتها كما قال ابن حبيب المالكي.

والسماحة السهولة فالتاجر السمح هو الذي لا يستقصي في طلب الربح والمشتري السمح هو الذي لا يستقصي في الاسترخاص.

والسمح في الاقتضاء هو الذي يطلب قضاء حقه بسهولة، وعدم إلحاح.

فهذه هي أخلاق التاجر المسلم التي حثه الشارع على الاتصاف بها، وتجنب ما يخالفها ومن ذلك استغلال حاجة الناس، واحتكار السلع عنهم حتى يرتفع ثمنها وغير ذلك مما فيه جشع وحب للذات.

فينبغي للتاجر الحرص على هذه الأخلاق ولن يندم بإذن الله تعالى. والله أعلم.