Image

هل يجوز للجنب قراءة القرءان؟



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

شيخي الكريم،
هل يجوز للجنب قراءة القرءان؟ رجاء تبيين أقوال اهل العلم في ذلك بالتفصيل مع التركيز على أقوال السادة المالكية وخصوصا شراح المختصر ان أمكن.
وجزاكم الله خيرا.

الحمد لله وبعد فهذه المسألة مما اختلف فيه قال ابن رشد: (اختلف الناس في ذلك: فذهب الجمهور إلى منع ذلك، وذهب قوم إلى إباحته، والسبب في ذلك الاحتمال المتطرق إلى حديث علي أنه قال: «كان - عليه الصلاة والسلام - لا يمنعه من قراءة القرآن شيء إلا الجنابة» وذلك أن قوما قالوا: إن هذا لا يوجب شيئا ; لأنه ظن من الراوي، ومن أين يعلم أحد أن ترك القراءة كان لموضع الجنابة إلا لو أخبره بذلك؟ والجمهور رأوا أنه لم يكن علي - رضي الله عنه - ليقول هذا عن توهم ولا ظن، وإنما قاله عن تحقيق.) بداية المجتهد ج1ص55
ومن الجمهور القائلين بمنع الجنب من قراءة القرآن إجمالا الأئمة الأربعة 
واختار القول بالجواز الطبري وابن المنذر وداود الظاهري وابن حزم وهو ظاهر اختيار البخاري . وفق م ذكره ابن حجر في فتح الباري  ج 1 ص 486 – عند الحديث رقم 305 .
 وروي عن ابن المسيب وعكرمة أنهما كانا لا يريان بأساً بقراءة الجنب للقرآن, وممن قال بالجواز أيضا الشوكاني في نيل الأوطار ، ومن المتأخرين الشيخ الألباني رحمه الله .
وقد ذكرت أن مذهب مالك رحمه الله تعالى مع الجمهور القائلين بالمنع من حيث الإجمال وإن كان في المذهب أقوال وتفصيلات خلاصتها ما ذكره  أبو الحسن علي بن سعيد الرجراجي (المتوفى: بعد 633هـ)في منَاهِجُ التَّحصِيلِ ونتائج لطائف التَّأْوِيل في شَرحِ المدَوَّنة وحَلِّ مُشكِلاتها حيث قال(المشهور من مذهب مالك: أن الجنب لا يقرأ القرآن بيد أن أهل المذهب اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يقرأ القرآن جملة، وهو المشهور.
والثاني: أنه يقرأ القرآن جملة.
والثالث: التفصيل بين اليسير والكثير؛ فيقرأ اليسير، ولا يقرأ الكثير، وهذا الخلاف نقله الشيخ أبو الحسن اللخمي و هوالصحيح عن مالك أيضًا أنه قال: حَرصْتُ أن أجد رخصة للجنب في قراءة القرآن فلم أجدها, ولا بأس أن يقرأ اليسيرمنه)ج1ص175.
وما أشار إليه من قول بعضهم بالجواز جملة ضعيف في المذهب لا يأبه له ولا يذكر وإنما المعتمد هو المنع إلا مان يسيرا لتعوذ وتحصن ورقية واستدلال ونحوه.
قال خليل ابن إسحاق المالكي في المختصر(وَتَمْنَعُ الْجَنَابَةُ مَوَانِعَ الْأَصْغَرِ وَالْقِرَاءَةَ إلَّا كَآيَةٍ لتعوذ ونحوه))
قال الحطاب: (يعني أن الجنابة تمنع الموانع التي تقدم أن الحدث الأصغر يمنع منها ويزيد بمنع قراءة القرآن ظاهرا على المشهور إلا كالآية، قال في التوضيح: أي الآيتان والثلاث، وقوله: للتعوذ ونحوه، قال في التوضيح: يعني أنه لا يباح ذلك على معنى القراءة بل على معنى التعوذ والرقى والاستدلال ونحوه للمشقة في المنع على الإطلاق، انتهى. وقال في الذخيرة: قال في الطراز: ولا يعد قارئا ولا له ثواب القراءة، ثم قال (تنبيه) : حمل القرآن على قسمين: أحدهما ما لا يذكر إلا قرآنا كقوله {كذبت قوم لوط} [الشعراء: 160] فيحرم على الجنب قراءته؛ لأنه صريح في القراءة لا تعوذ فيه، وثانيهما ما هو تعوذ كالمعوذتين فتجوز قراءتهما للضرورة ودفع مفسدة المتعوذ منه، انتهى. وظاهره أنه المعوذتان جميعا فتأمله.) انتهى من مواهب الجليل في شرح مختصر خليل ج1 ص317
وذكر المواق في التاج والإكليل قول ابن عرفة: (تمنع الجنابة كالحدث قراءة القرآن في أشهر الروايتين (إلا كآية لتعوذ ونحوه) قال مالك: لا يقرأ الجنب القرآن إلا الآية والآيتين عند أخذه مضجعه أو يتعوذ لارتياع ونحوه لا على جهة التلاوة) انتهى منه ج1 ص462.
وذكر الخرشي في شرحه للمختصر قال (يَعْنِي أَنَّ الْجَنَابَةَ تَمْنَعُ كُلَّ مَا يَمْنَعُهُ الْأَصْغَرُ مِنْ صَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَتَزِيدُ أَشْيَاءُ مِنْهَا الْقِرَاءَةُ بِحَرَكَةِ اللِّسَانِ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ إلَّا الْحَائِضَ كَمَا يَأْتِي وَمَحَلُّ مَنْعِ الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الْآيَةِ وَالْآيَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى وَجْهِ التَّعَوُّذِ عِنْدَ رَوْعٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ الرُّقَى وَالِاسْتِدْلَالُ لِمَشَقَّةِ الْمَنْعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَا يُعَدُّ قَارِئًا وَلَا لَهُ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ بَحْثٌ إذْ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ قِرَاءَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاجِيِّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ مَعًا لِقَوْلِهِ يَقْرَأُ الْيَسِيرَ وَلَا حَدَّ فِيهِ تَعَوُّذًا بَلْ رُبَّمَا يَشْمَلُ كَلَامُهُ قِرَاءَةَ {قُلْ أُوحِيَ} [الجن: 1] فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ إلَّا يَسِيرًا لِكَتَعَوُّذٍ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَحْسَنَ.)) ج1ص173. 
وقال القاضي عبد الوهاب في التلقين (ويمنع الجنب من القرآن إلا الآيات اليسيرة للتعوذ.)ج1ص32
ولعليش إضافة وتفصيل فقد قال في منح الجليل شرح مختصر خليل((و) تمنع الجنابة (القراءة) بلا مس مصحف ولو بحركة اللسان فقط وأما بالقلب فلا تمنعها الجنابة إذ لا تعد قراءة شرعا. ونقل ابن عمر الإجماع على جوازها من الجنب وإن توقف فيها في التوضيح (إلا) قراءة (كآية) في اليسارة والخفة (لتعوذ) كآية الكرسي والإخلاص والمعوذتين وظاهر كلام المصنف أن له قراءة " قل أوحي " وفي الذخيرة: لا يجوز للجنب قراءة {كذبت قوم لوط المرسلين} [الشعراء: 160] ولا آية الدين للتعوذ لأنه لا يتعوذ به نقله الحطاب وتبعه عج وغيره ورد بأن القرآن كله حصن وشفاء، وقد صرح ابن مرزوق بأنه يتعوذ بالقرآن كله وإن لم يكن فيه لفظ التعوذ ولا معناه (ونحوه) أي التعوذ كرقيا واستدلال على حكم شرعي أو غيره ومنه ما يقال عند ركوب دابة أو سفينة.)) انتهى ج1ص131.
وخلاصة قول المالكية أن الجنب لا يجوز له قراءة القرآن في المعتمد باللسان إلا ما كان يسيرا للتحصن عند النوم أو الخوف، وكذا لأجل الرقيا للنفس أو للغير أو لأجل الاستدلال على حكم من الأحكام الشرعية نحو: (وأحل اللَّه البيع وحرم الربا). 
وهل ذلك من باب القراءة مستثنى أم ليس منها هذا الأخيرهو ما عليه أكثرهم ولذا قال الدسوقي في حاشيته:(وتحرم "أي البسملة"إذا أتى بها الجنب على أنها من القرآن لا على أنها ذكر بقصد التحصن)
وعلى كل فالقول بمنع الجنب من قراءة القرآن قول  تعضده الآثار وتقتضيه الأخبار وإن كان في أسانديها  كلها مقال, لكن تحصل القوة بانضمام بعضها إلى بعض ومجموعها يصلح لأن يتمسك بها؛  ومن ذلك ما رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي الْخَلَاءَ فَيَقْضِي الْحَاجَةَ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَأْكُلُ مَعَنَا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَا يَحْجُبُهُ وَرُبَّمَا قَالَ لَا يَحْجُزُهُ عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ إِلَّا الْجَنَابَةُ ) هذا لفظ ابن ماجه . والله تعالى أعلم

0 التعليقات: