Image

استرعاء الطلاق


السؤال
رجل تسبه زوجته أمام الناس ولم يدر كيف يتحاشى شتمها له وشغبها عليه  فدل على أن يسترعي  في طلاقها  وان يعلن لها الطلاق  لتكف عن شتمه ففعل ذلك فهل ينفعه الاسترعاء في هذه الحالة أم لا ؟

 

الجواب

الحمد لله وبعد فالاسترعاء أو الإيداع أو الاستحفاظ ، هو إيداع الشهادة عند شهود أربعة عند بعض أهل العلم، أواثنان، على أنه إن طلق زوجته مثلا لحاجة ألجأته إلى ذلك فطلاقه غير واقع إذ لا يقصده وإنما يدفع به الضرر عن نفسه.

وهذا الاسترعاء معتبر عند المالكية يصح ويفيد صاحبه في كل تصرف تطوعي كالطلاق والوقف والهبة. فإن فعل لم يلزمه أن ينفذ شيئا من ذلك، وإن لم يعلم الشهود السبب، قال ابن فرحون المالكي في التبصرة: "الاسترعاء يجري في كل تطوع كالعتق، والتدبير والطلاق، والتحبيس والهبة... ولا يلزمه أن يفعل شيئاً من ذلك، وإن لم يُعلم السبب إلا بقوله، مثل أن يشهد إن طلقت فإنما أطلق خوفاً من أمرٍ أتوقعه من جهة كذا، أو حلف بالطلاق، وكان أَشْهدَ أني إن حلفت بالطلاق فإنما هو لأجل إكراه، ونحو ذلك... وشرط الاسترعاء تقدمه على الفعل، وتجزئ فيه شهادة شاهدين، وكلما كان الشهود أكثر كان أفضل، واشترط ابن الماجشون أربعة شهود." انتهى ملخصاً من التبصرة. وهي من كتب المالكية المعتمدة كما قال القلاوي في نظمه بوطليحية:

واعتمدوا تبصرة الفرحون ** وركبوا في فلكها المشحون

كما جاء في الإعلام بنوازل الأحكام لعيسى بن سهل الجياني القرطبي الغرناطي أبو الأَصْبَغ (المتوفى: 486هـ)

"كل من استرعى في شيء تطوع لا يضم إليه كالعتق والطلاق وشبهه؛ يريد كالحبس نفعه الاسترعاء ولم يلزمه، ونحوه في وثائق ابن العطار قال: ويصدق المسترعي فيما يذكره من المتوقع وإن لم يعرف شهود الاسترعاء ذلك. قال: وإنما يجوز الاسترعاء في الحبس، وشبهه؛ لأنه تبرع بالحبس، ولو شاء لم يفعل".

وجاء في توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام لعثمان المكي الزبيدي أنه ورد " في نوازل الطلاق من المعيار سئل الشيخ العبدوسي عن رجل سألت منه زوجته أن يحرم لها ضرتها ويطلقها وشدت عليه في ذلك فاستحفظ على ذلك بشهوده بأن قال مهما طلق زوجته فلانة بأي طلاق كان أو حرمها بأي تحريم كان أو قال متى حلت حرمت فغير ملتزم لذلك وأنه مبطله فطلقها وحرمها وقال متى حلت حرمت عليه فهل ينفعه استرعاؤه في ذلك أم لا فأجاب أنه لا يلزمه تحريمها على الوجه المذكور لأجل استرعائه على الوجه المذكور وهي باقية في عصمته حيث لم يقصد تحريمها حال تحريمها لفظًا فإن قصده فلا ينفعه الاستحفاظ "اهـ

وبناء عليه فلا يلزم الطلاق في المسألة المذكورة لأن الزوج استرعى دفعا لضرر زوجته إذ تسبه وتشغب عليه فيرجو إن ذكر لها الطلاق أن تكف عن سبه وشتمه وأذيتها له.

  ومعلوم أن السب والشتم ونحوه مما فيه أذية بالغة وضرر عظيم إلا في حق من وصفهم القائل:

ومن يهن يسهل الهوان عليه ** ما لجرح بميت إيلام.

وليس الأصل في حال الناس كذلك، والسباب والشغب قد يكون أشد مما ذكر في نوازل الطلاق من المعيار أن من سألته زوجته أن يحرم لها ضرتها ويطلقها وشدت عليه فاسترعى فإن ذلك ينفعه.

 والله تعالى أعلم

0 التعليقات: